خلاصة علم الكلام - الدكتور عبد الهادي الفضيلي - الصفحة ١٨٥
ويستلفته بتعليمه الراقي إلى دوام الاعتراف بعجزه وأن بقاء قدرته ومتعلقات ارادته ومواضيع فعله انما هو بقدرة الإله العظيم المتصرف في العالم وبمشيئته (1).
وننتهي من هذا كله - وقد ضم نماذج مختلفة من الآيات الكريمة المرتبطة بموضوع إرادة الانسان - إلى أنه ليس في القرآن الكريم ما يدل على الجبر، كما أنه ليس فيه ما يدل على التفويض.
أما فكرة الكسب فهي الأخرى لا دليل عليها من القرآن الكريم لان نسبة خلق فعل الانسان إلى قدرة الله القديمة هي عين الجبر ولا دليل عليه من القرآن الكريم كما رأينا.
ونسبة الفعل عند الاختيار إلى قدرة الانسان الحادثة التي يخلقها الله فيه عند الاختيار لا دليل عليه من القرآن إذ لم يمر علينا شئ مما قد يشير اليه - ولو من بعيد - من النصوص القرآنية، كما أنه لا دليل عليه من العقل.
ومنه يتضح أن ما ذهب اليه الامامية تبعا لأئمة أهل البيت من أن فعل الانسان أمر بين الجبر والتفويض، أو منزلة بينهما مأخوذ من القرآن بنظرة شمولية اعتمدت المقارنة والموازنة إلى ما تضمنته مختلف الآيات في الموضوع.
أما مذهب الاستسلام فهو مذهب التوقف عن اعطاء الرأي في المسألة، وقد مر بنا بيان هذا عند الكلام على المنهج النقلي.
ولا أرى مبررا لاتخاذ موقف الصحابة دليلا.
وذلك لأن توقف الصحابة عن الخوض في المسائل المشكلة من قضايا العقيدة لا يرجع إلى سبب ديني كما أفاده الشيخ محمود وأمثاله، وإنما إلى سبب اجتماعي تاريخي وهو ان الحضارة الاسلامية كانت في أيام الرسول وعهود الخلفاء الثلاثة من الراشدين في دور التلقي.

(1) الرحلة المدرسية 381
(١٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 ... » »»