خلاصة علم الكلام - الدكتور عبد الهادي الفضيلي - الصفحة ١٧٨
ولا جبر في ذلك ولا قهر لتخلل عنصر الاختيار شرطا في صدور الفعل عن القدرة الانسانية.
ولنضرب لهذا مثالا ابتغاء توضيحه: (الاتصال الجنسي): ان الاتصال الجنسي بين الرجل والمرأة بمعنى مباشرة الفعل أمر واقعي، وكونه نكاحا أو سفاحا أمر اعتباري.
واعتداده طاعة أو معصية، واعتداد تعلق الثواب أو العقاب به لا بلحاظ أنه اتصال جنسي، وانما بلحاظ كونه نكاحا أو سفاحا.
فباعتباره اتصالا جنسيا صادرا عن قدرة الانسان وهي مخلوقة لله تعالى يدخل في عموم خلق الله لكل شئ عن طريق هذا التسلسل العللي.
وباعتبار اختياره طاعة أو معصية يخرج من العموم بالمخصص المذكور.
ويبدو أن القائلين بأن فعل الانسان مخلوق لله وبقدرته القديمة وحدها وهم الجبرية، والقائلين بأن فعل الانسان مخلوق لله بقدرته القديمة ومكسوب للانسان بقدرته الحادثة وهم السنة، لم يقولوا بأنه مخلوق للانسان في الوقت الذي هو مخلوق لله، للزومه توارد علتين على معلول واحد.
ولكن عندما ندرك أن هناك فرقا بين توارد العلتين على المعلول الواحد تواردا طوليا بمعنى أن يكون المعلول صادرا عن علة، وتلك العلة معلولة لعلة أخرى، بحيث يكون المعلول الأول معلولا لعلته المباشرة، ومعلولا لعلتها بواسطتها، فيكون على هذا معلولا لعلتين تواردتا عليه ولكن في تسلسل طولي، وهذا غير محال.. وبين توارد العلتين على المعلول الواحد تواردا عرضيا بمعنى أن كلا من العلتين علة مباشرة للمعلول، والمعلول صادر عن كل منهما مباشرة، وهذا هو المحال، وليس منه مسألتنا، بل هي من التوارد العللي الطولي.
كما أنه يجب أن يفرق في العلل الطولية بين الفاعل بمعنى ما منه الوجود، والفاعل بمعنى ما به الوجود.
فالعلة المباشرة هي ما به الوجود فيصح نسبة الفعل إليها على هذا الأساس.
(١٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 ... » »»