فان آي المشيئة إذا نظرت في اطار أمثالها من آي الإذن وآي التوكل يبين المقصود منها بوضوح لأن القران يفسر بعضه بعضا، وتعضد آية الأخرى.
وهى - كما تعرب عن ذلك ظواهرها - ترمي إلى أن تلفت نظر الانسان إلى فعله الذي يوقعه بقدرته غير مستقل عن قدرة الله تعالى.
فكما أن قدرته معلولة لقدرة الله تعالى في أصل وجودها هي أيضا مفتقرة في استدامة وجودها واستمرار بقائها إلى مدد فيضه تعالى. فلا حول ولا قوة للانسان الا من حول الله وبقوته.
ذلك أن الانسان لا يستطيع أن يفعل الفعل إذا تعلقت إرادة الله بخلافه، أو سلبته قدرة الله تعالى قدرته على الاتيان بالفعل.
فكل فعل يعزم الانسان على الاتيان به ينبغي له أن يضع نصب عينيه انه لا يقوى على الاتيان به الا إذا كان معه مدد الفيض الإلهي واستمرارية القوة القادرة على الفعل التي خلقها الله تعالى فيه.
فهذا اللون من الاستثناء (الا أن يشاء الله)، (إلا بإذن الله)، وكذلك الترغيب في التوكل والأمر به يشير إلى أن العلل والأسباب الواردة في طول القدرة الإلهية، كما هي مفتقرة إليها في أصل وجودها، هي أيضا مفتقرة إليها في استدامة وجودها، واستمرارية بقائها.
ويقول الشيخ البلاغي توضيحا لمعنى الآية (لا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا الا أن يشاء الله): لم يقيد القرآن إرادة الانسان ولم يعلق فعله بأنواعه على مشيئة الله، بل لم يعلق الا الفعل الذي يجزم الانسان بغروره أنه سيفعله بقدرته في المستقبل مع غفلته عن كونه عرضة للموت والمرض والعوائق وتغير الأمور.
فالقرآن يوبخ الانسان على اغتراره بما عنده في وقته من القدرة فيتوهم بغروره بقاءه في المستقبل ويجزم بأنه يفعل غدا.
كأنه ليس له إله يغير الأمور ويقدر عليه الموت والمرض والعوائق.