فأنزل الله عز وجل آية المباهلة على رسول الله صلى الله عليه وآله (فمن حاجك فيه من بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) فتلا عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله ما نزل عليه في ذلك من القرآن، فقال صلى الله عليه وآله: إن الله قد أمرني [أن] أصير إلى ملتمسكم، وأمرني بمباهلتكم إن أقمتم وأصررتم على قولكم.
قالا: وذلك آية ما بيننا وبينك، إذا كان غدا باهلناك.
ثم قاما وأصحابهما من النصارى معهما، فلما أبعدا - وقد كانوا أنزلوا بالحرة - أقبل بعضهم على بعض فقالوا: قد جاءكم هذا بالفصل من أمره وأمركم، فانظروا أولا بمن يباهلكم، أبكافة أتباعه، أم بأهل الكتابة من أصحابه، أو بذوي التخشع والتمسكن والصفوة دينا وهم القليل منهم عددا؟ فإن جاءكم بالكثرة وذوي الشدة منهم، فإنما جاءكم مباهيا كما يصنع الملوك، فالفلج إذن لكم دونه، وإن أتاكم بنفر قليل ذوي تخشع فهؤلاء سجية الأنبياء وصفوتهم وموضع بهلتهم، فإياكم والإقدام إذن على مباهلتهم، فهذه لكم أمارة، وانظروا حينئذ ما تصنعون ما بينكم وبينه، فقد أعذر من أنذر.
فأمر صلى الله عليه وآله بشجرتين فقصدتا وكسح ما بينهما، وأمهل حتى إذا كان من الغد أمر بكساء أسود رقيق فنشر على الشجرتين، فلما أبصر السيد والعاقب ذلك خرجا بولديهما صبغة المحسن وعبد المنعم وسارة ومريم، وخرج معهما نصارى نجران، وركب فرسان بني الحرث بن الكعب في أحسن هيئة، وأقبل الناس من أهل المدينة من المهاجرين والأنصار وغيرهم من الناس في قبائلهم وشعارهم من راياتهم وألويتهم