تسأم المنازعة ولا تمل من المراجعة، ولقد زعمت مع ذلك عظيما، فما برهانك به؟
قال: أما - وجدكما - لأنبئكما ببرهان يجير من الشبهة ويشفي به جوى الصدور.
ثم أقبل على أبي حارثة حصين بن علقمة، شيخهم وأسقفهم الأول فقال: إن رأيت أيها الأب الأثير أن تؤنس قلوبنا وتثلج صدورنا بإحضار الجامعة والزاجرة.
قالوا: وكان هذا المجلس الرابع من اليوم الرابع، وذلك لما خلقت الأرض وركدت، وفي زمن قيظ شديد، فأقبلا على حارثة فقالا: أرج هذا إلى غد فقد بلغت القلوب منا الصدور. فتفرقوا على إحضار الزاجرة والجامعة من غد للنظر فيهما والعمل بما يتراءان منهما.
فلما كان من الغد صار أهل نجران إلى بيعتهم لاعتبار ما أجمع صاحباهم مع حارثة على اقتباسه وتبينه من الجامعة، ولما رأى السيد والعاقب اجتماع الناس لذلك قطع بهما لعلمهما بصواب قول حارثة، واعترضاه ليصدانه عن تصفح الصحف على أعين الناس، وكانا من شياطين الإنس، فقال السيد: إنك قد أكثرت وأمللت قض الحديث لنا مع قضه ودعنا من تبيانه.
فقال حارثة: وهل هذا إلا منك وصاحبك! فمن الآن فقولا ما شئتما، فقال العاقب: ما من مقال إلا قلناه، وسنعود فنخبر بعض ذلك لك تخبيرا غير كاتمين لله عز وجل من حجة، ولا جاحدين له آية، ولا مفترين مع ذلك على الله عز وجل لعبد أنه مرسل منه وليس برسوله، فنحن نعترف - يا هذا - بمحمد صلى الله عليه وآله أنه رسول من الله عز وجل إلى قومه