وأطلق على العاصي أنه عبد الشيطان، وعبد الهوى، وأن الإنسان عبد الشهوات، إلى غير ذلك مما لا مجال له، ولا ريب في أن هذه الأمور التي هي طاعة وخضوع، وكذلك ما أشير إليه من تسمية ما ذكر عبادة، لا يوجب الكفر والارتداد، وإلا لم يسلم منه أحد، والضرورة قاضية بخلافه، والسجود هو منتهى التذلل والخضوع فقد يكون حراما إذا كان على نحو العبادة للشخص وقد لا يكون كذلك مثل أمر الله الملائكة بالسجود لآدم، وسجود بعقوب وزوجته وبنيه ليوسف، كما أخبر عن ذلك القرآن الكريم، فدل ذلك على أن السجود ليس موجبا للفكر والشرك مطلقا ليكون نظير اتخاذ شريك للباري، وإلا لم يأمر الله به ملائكته، ولا حكاه عن أنبيائه وغيرهم. وعلم من ذلك أيضا: أن مطلق الخضوع والتعظيم، حتى السجود لغير الله، ليس في نفسه شركا وكفرا، حتى ولو أطلق عليه اسم " العبادة " لغة.. إذ ليس كل ما يطلق عليه اسم " العبادة " يوجب الكفر والشرك... إلا إذا دل دليل على تحرمه، مثل السجود، الذي اتفقت كلمة المسلمين على تحريم ما كان منه لغير الله سبحانه.
ونسوق هنا مثالا آخر، وهون أنه قد أطلق لفظ " العبادة " على الدعاء، قال تعالى: " أدعوني أستجب لكم، إن الذين يستكبرون عن عبادتي الخ...) (1) . وعنه (ص): " الدعاء مخ العبادة ".
والمراد بالدعاء، ليس مطلق أن ينادي الإنسان شخصا ما، وإلا لكان كل من نادى أحدا فقد عبده. بل المراد: سؤال الله تعالى الحاجة، مع الخضوع والتذلل، واعتباره الفاعل المختار، والمالك الحقيقي لأمور الدنيا والآخرة.
وأما ما ورد: " من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان ينطلق عن الله، فقد عبد الله، وإن كان ينطق عن غير الله، فقد عبد غير الله، فهو من باب التنزيل والادعاء، ليس إلا..
والخلاصة: إن ما يترتب عليه الكفر، أو الشرك ليس هو التعظيم، ومطلق التعظيم ليس عبادة...
وإنما الذي يترتب عليه الكفر والشرك هو الخضوع والانقياد الخاص، والذي صرح الشارع بالنهي عنه، أو كان معه اعتقاد: إن غير الله هو المالك المختار،