التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٤٣
الشرك غير شرك؟ " فلاحظ.
3 - يأمر الله تعالى بالخضوع أمام الوالدين وخفض الجناح لهم، الذي هو كناية عن الخضوع الشديد يقول:
(واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) (الإسراء - 24).
ومع ذلك لا يكون هذا الخفض: عبادة.
4 - إن جميع المسلمين يطوفون - في مناسك الحج - بالبيت الذي لا يكون إلا حجرا وطينا، ويسعون بين الصفا والمروة وقد أمر القرآن الكريم بذلك حيث قال:
(وليطوفوا بالبيت العتيق) (الحج - 29).
(إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) (البقرة - 158) فهل ترى يكون الطواف بالتراب والحجر والجبل عبادة لهذه الأشياء؟
ولو كان مطلق الخضوع عبادة لزم أن تكون جميع هذه الأعمال ضربا من الشرك المجاز المسموح به، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
إن المسلمين كلهم يستلمون الحجر الأسود - في الحج - واستلام الحجر الأسود من مستحبات الحج، وهذا العمل يشبه من حيث الصورة (لا من حيث الواقعية) أعمال المشركين تجاه أصنامهم في حين أن هذا العمل يعد في صورة شركا، وفي أخرى لا يعد شركا بل يكون معدودا من أعمال الموحدين المؤمنين وهذا يؤيد ما ذكرناه آنفا من أن الملاك هو النيات والضمائر لا الصور والظواهر وإلا فهذه الأعمال بصورها الظاهرية لا تفترق عن أعمال الوثنين.
5 - إن القرآن الكريم يأمر بأن نتخذ من مقام إبراهيم مصلى عندما يقول:
(واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) (البقرة - 125).
ولا ريب في أن الصلاة إنما هي لله، ولكن إقامتها في مقام إبراهيم الذي يرى
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»