التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٤٨
ولكن القائل ومن تبعه يغفلون عن نقطة مهمة جدا وهي:
إن تعلق الحكم بموضوع لا يغير - بتاتا - حقيقة ذلك الموضوع، ولا يوجب تعلق الأمر الإلهي به تبدل ماهيته.
إن العقل السليم يقضي بأن سب أحد وشتمه إهانة له - طبعا - وذلك شئ تقتضيه طبيعة السباب والفحش والشتم، فإذا أوجب الله سب أحد وشتمه - فرضا - فإن أمر الله لا يغير ماهية السبب والشتم - أبدا -.
كما أن الضيافة وإقراء الضيف بطبيعتهما تكريم للوافد، واحترام للضيف، فإذا حرمت ضيافة شخص لم تتبدل ماهية العمل، أعني الضيافة التي كانت بطبيعتها احتراما، لتصير إهانة في صورة تحريمها، بل تبقى ماهية الضيافة على ما كانت عليه ولو تعلق بها تحريم فإذا عدت أعمال - كالسجود واستلام الحجر الأسود وما شابههما - عبادة ذاتا فإن الأمر الإلهي لا يغير ماهيتها، فلا تخرج من حال كونها عبادة لآدم أو يوسف أو الحجر، وما يقوله القائل من أنها عبادة ذاتا وطبيعة، ولكن حيث تعلق بها الأمر الإلهي خرجت عن الشرك، يستلزم أن تكون هذه الأعمال من الشرك المجاز، وتخصيصا في حكمه وهو لا يقبل التخصيص.
والخلاصة أن المسألة تدور مدار إما أن نعتبر هذه الأعمال خارجة - بطبيعتها عن مفهوم الشرك، أو أن نقول إنها من مصاديق الشرك في العبادة ولكنها شرك أذن الله به وأجازه!!!
والقول الثاني على درجة من البطلان بحيث لا يمكن أن يحتمله أحد فضلا عن الذهاب إليه، وسيوافيك أن بعض الأعمال يمكن أن تكون باعتبار تعظيما وتواضعا، وباعتبار آخر شركا، فلو كانت الملائكة - مثلا - تسجد لآدم باعتقاد أنه إله كان عملهم شركا قطعا وإن أمر الله به - على وجه الافتراض - وأما إذا كانت تسجد بغير هذا الاعتقاد لم يكن فعلها شركا حتى لو لم يأمر به المولى جل شأنه.
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»