التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٤٤
فيه أثر قدميه أيضا نوع من التكريم لذلك النبي العظيم ولا يتصف هذا العمل بصفة العبادة مطلقا.
6 - إن شعار المسلم الواقعي هو التذلل للمؤمن والتعزز على الكافر كما يقول سبحانه:
(فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) (المائدة - 54).
إن مجموع هذه الآيات من جانب ومناسك الحج وأعماله من جانب آخر تدل على أن مطلق الخضوع والتذلل، أو التكريم والاحترام ليس عبادة، وإذا ما رأينا أئمة اللغة فسروا العبادة بأنها الخضوع والتذلل كان هذا من التفسير بالمعنى الأوسع، أي أنهم أطلقوا اللفظة وأرادوا بها المعنى الأعم، في حين أن العبادة ليست إلا نوعا خاصا من الخضوع سنذكره عما قريب.
ومن هذا البيان يمكن أيضا أن نستنتج أن تكريم أحد واحترامه ليست - بالمرة - عبادة، لأنه في غير هذه الصورة يلزم أن نعتبر جميع البشر حتى الأنبياء مشركين، لأنهم أيضا كانوا يحترمون من يجب احترامه.
وقد أشار المرحوم الشيخ جعفر كاشف الغطاء (وهو أول من أدرك - في عصره - عقائد الوهابية وأخضعها للتحليل) أشار إلى ما ذكرنا إذ قال:
" لا ريب أنه لا يراد بالعبادة التي لا تكون إلا لله، ومن أتى بها لغير الله فقد كفر، مطلق الخضوع والانقياد كما يظهر من كلام أهل اللغة، وإلا لزم كفر العبيد والاجراء وجميع الخدام للأمراء، بل كفر الأنبياء في خضوعهم للآباء " (1).

(1) راجع منهج الرشاد: 24 (ط 1343 ه‍) تأليف الشيخ الأكبر المرحوم الشيخ جعفر كاشف الغطاء المتوفى عام (1228 ه‍). وقد ألف المرحوم هذا الكتاب في معرض الإجابة على رسالة من أحد أمراء السعودية الذين كانوا من مروجي الوهابية منذ أول يوم إلى زماننا هذا.
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»