التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٤١
أن يتصور أن المقصود بالسجود لآدم هو جعله " قبلة " لا السجود له سجودا حقيقيا.
ولكن كلا التصورين باطلان.
أما الأول فلأن تفسير السجود في الآية بالخضوع خلاف الظاهر، والمتفاهم العرفي إذ المتبادر من هذه الكلمة - في اللغة والعرف - هو الهيئة السجودية المتعارفة لا الخضوع، كما أن التصور الثاني هو أيضا باطل، لأنه تأويل بلا مصدر ولا دليل.
هذا مضافا إلى أن آدم - عليه السلام - لو كان قبلة للملائكة لما كان ثمة مجال لاعتراض الشيطان إذ قال:
(أأسجد لمن خلقت طينا) (الإسراء - 61).
لأنه لا يلزم - أبدا - أن تكون القبلة أفضل من الساجد ليكون أي مجال لاعتراضه، بل اللازم هو: كون المسجود له أفضل من الساجد في حين أن آدم لم يكن أفضل في نظر الشيطان، وهذا مما يدل على أن السجود كان لآدم لا أن يكون آدم قبلة.
يقول الجصاص: ومن الناس من يقول: إن السجود كان لله وآدم بمنزلة القبلة لهم وليس هذا بشئ لأنه يوجب أن لا يكون في ذلك حظ التفضيل والتكرمة، وظاهر ذلك يقتضي أن يكون آدم مفضلا مكرما، ويدل على أن الأمر بالسجود قد كان أراد به تكرمة آدم - عليه السلام - وتفضيله، قول إبليس فيما حكى الله عنه:
(أأسجد لمن خلقت طينا * قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي) (الإسراء - 61 - 62).
فأخبر إبليس أن امتناعه من السجود لأجل ما كان من تفضيل الله وتكرمته بأمره إياه بالسجود له ولو كان الأمر بالسجود له على أنه نصب قبلة للساجدين
(٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 ... » »»