التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٤٠
7 - ليس مطلق الخضوع عبادة:
بيد أن العبادة وإن فسروها بالطاعة والخضوع والتذلل أو إظهار نهاية التذلل، لكن جميع هذه التعاريف ما هي إلا نوع من التعريف بالمعنى الأعم، لأن الطاعة والخضوع وإظهار التذلل ليست - على وجه الإطلاق - عبادة، لأن خضوع الولد أمام والده، والتلميذ أمام أستاذه، والجندي أمام قائده لا يعد عبادة مطلقا مهما بالغوا في الخضوع والتذلل، وتدل الآيات - بوضوح - على أن غاية الخضوع والتذلل، فضلا عن كون مطلق الخضوع، ليست عبادة، ودونك تلك الآيات:
1 - سجود الملائكة لآدم الذي هو من أعلى مظاهر الخضوع حيث قال سبحانه:
(وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) (البقرة - 34) فالآية تدل على أن آدم وقع مسجودا للملائكة، ولم يحسب سجودهم له شركا وعبادة لغير الله، ولم تعد الملائكة بذلك العمل مشركة، ولم يجعلوا بعملهم ندا لله وشريكا في المعبودية، بل كان عملهم تعظيما لآدم وتكريما لشأنه.
وهذا هو نفسه خير دليل على أنه ليس كل تعظيم أمام غير الله عبادة له، وأن جملة:
(اسجدوا لآدم) وإن كانت متحدة مع جملة: (اسجدوا لله) إلا أن الأول لا يعد أمرا بعبادة غيره سبحانه ويعد الثاني أمرا بعبادة الله (1).
ويمكن أن يتصور - في هذا المقام - أن معنى السجود لآدم - في هذه الآية - هو الخضوع له لا السجود بمعناه الحقيقي والمتعارف، ومعلوم أن مطلق الخضوع ليس عبادة بل " غاية الخضوع " التي هي السجود، هي التي تكون عبادة. أو يمكن

(١) وهذا يدل على أن الاعتبار إنما هو بالنيات والضمائر لا بالصور والظواهر.
(٤٠)
مفاتيح البحث: السجود (4)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»