التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٥٤
هل الإله بمعنى المعبود؟
نعم يظهر من كثير من المفسرين بأن إله بمعنى عبد، ويستشهدون بقراءة شاذة في قوله سبحانه:
(ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك) (الأعراف - 127).
حيث قرئ وإلاهتك، أي عبادتك.
ولعل منشأ هذا التصور هو كون الإله الحقيقي، أو الآلهة المصطنعة موضعا للعبادة - دائما - لدى جميع الأمم والشعوب، ولأجل ذلك فسرت لفظة " الإله " بالمعبود، وإلا فإن المعبودية هي لازم الإله وليست معناه البدئي.
والذي يدل - بوضوح - على أن الإله ليس بمعنى المعبود هو: كلمة الإخلاص:
" لا إله إلا الله " إذ لو كان المقصود من الإله " المعبود " لكانت هذه الجملة كذبا صريحا، لأن من البديهي وجود آلاف المعبودات في هذه الدنيا، غير الله، ومع ذلك فكيف يمكن نفي أي معبود سوى الله؟
ولأجل ذلك اضطر القائل بأن الإله بمعنى المعبود أن يقدر كلمة " بحق " بعد إله لتكون الجملة هكذا: " لا إله [بحق] إلا الله " ليتخلص من هذا الإشكال، ولكن لا يخفى أن تقدير كلمة " بحق " هنا خلاف الظاهر، وأن هدف كلمة الإخلاص هو نفي أي إله في الكون سوى الله، وأنه ليس لهذا المفهوم (أي الإله) مصداق بتاتا سواه سبحانه، وهذا لا يجتمع مع القول بأن " الإله " بمعنى " المعبود "، لوجود المعبودات الأخرى في العالم وإن كانت مصطنعة.
وأما جمعه على الآلهة فليس على أساس أنه بمعنى المعبود، بل لأجل اعتقاد العرب بأن هاهنا آلهة غير الله سبحانه، قال تعالى:
(أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا) (الأنبياء - 43).
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»