التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٤٥
8 - تميز المعنى الحقيقي عن المجازي:
نعم ربما تستعمل لفظة العبادة وما يشتق منها في موارد في العرف واللغة ولكن استعمال لفظ في معنى ليس دليلا على كونه مصداقا حقيقيا لمعنى اللفظ، بل قد يكون من باب تشبيه المورد بالمعنى الحقيقي لوجود مناسبة بينهما وإليك هذه الموارد:
1 - العاشق الولهان الذي يظهر غاية الخضوع أمام معشوقته، ويفقد تجاه طلباتها عنان الصبر ومع ذلك لا يسمى مثل هذا الخضوع " عبادة " وإن قيل في حقه مجازا إنه (يعبد المرأة).
2 - الأشخاص الذين يأسرهم الهوى فيفلت من أيديهم - تحت نداءات النفس الأمارة - زمام الاختيار لا يمكن اعتبارهم عبدة واقعيين للهوى، ولا عدهم مشركين، كمن يعبد الوثن ولو قيل في شأنه إنه (يعبد هواه) فإن ذلك نوع من التشبيه وضرب من التجوز.
فها هو القرآن يسمي الهوى إلها ويلازم ذلك كون الخضوع للهوى: عبادة له لكن مجازا إذ يقول:
(أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا) (الفرقان - 43) فكما أن إطلاق اسم الإله على الهوى نوع من التجوز فكذا إطلاق العبادة على متابعة الهوى هو أيضا ضرب من المجاز.
3 - هناك فريق من الناس يضحون بكل شئ في سبيل الحصول على جاه ومنصب حتى ليقول الناس في حقهم إنهم يعبدون الجاه والمنصب، ولكنهم في نفس الوقت لا يعدون عبدة حقيقيين للجاه، ولا يصيرون بذلك مشركين.
(٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 ... » »»