لكننا نجد وجهة النظر التي أبداها الأستاذ محب الدين الخطيب حول هذه المسألة جديرة بالأخذ بها للرد على ما سبق، فهو يقول: إن كان مقياس الأهلية لذلك أن يبلغ مبلغ أبي بكر وعمر في مجموع سجاياهما، فهذا ما لم يبلغه في تاريخ الإسلام، ولا عمر بن عبد العزيز، وإن طمعنا بالمستحيل وقدرنا إمكان ظهور أبي بكر آخر وعمر آخر، فلن تتاح له بيئة كالبيئة التي أتاحها الله لأبي بكر وعمر، وإن كان مقياس الأهلية الإستقامة في السيرة، والقيام بحرمة الشريعة والعمل بأحكامها، والعدل في الناس، والنظر في مصالحهم، والجهاد في عدوهم، وتوسيع الآفاق لدعوتهم، والرفق بأفرادهم وجماعاتهم، فإن يزيد يوم تمحص أخباره، ويقف الناس على حقيقة حاله كما كان في حياته، يتبين من ذلك أنه (يزيد) لم يكن دون كثيرين ممن تغنى التاريخ بمحامدهم، وأجزل الثناء عليهم. حاشية العواصم لابن العربي (ص 221).
ويتبين من خلال دراسة هذه الفكرة، أي فكرة تولية يزيد ولاية العهد من بعد أبيه، أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما كان محقا فيما ذهب إليه، إذ أنه باختياره لابنه يزيد لولاية العهد من بعده، قد ضمن للأمة الإسلامية وحدتها وحفظ لها استقرارها، وجنبها حدوث أية صراعات على مثل هذا المنصب. وقد اعترف بمزايا خطوة معاوية هذه كل من ابن العربي، (أنظر: العواصم من القواصم 228 - 229).
وابن خلدون الذي كان أقواهما حجة إذ يقول: والذي دعا معاوية لإيثار ابنه يزيد بالعهد دون سواه، إنما هو مراعاة المصلحة في اجتماع الناس، واتفاق أهوائهم باتفاق أهل الحل والعقد عليه، وحينئذ من بني أمية، ثم يضيف قائلا: وإن كان لا يظن بمعاوية غير هذا، فعدالته وصحبته مانعة من سوى ذلك، وحضور أكابر الصحابة لذلك، وسكوتهم عنه، دليل على