الثاني: أن لفظ (هذا) إشارة إلى قتله القبطي وإنما وصفه بأنه من عمل الشيطان لأن هذا العمل كان خطأ محضا ساقه إلى عاقبة وخيمة، فاضطر إلى ترك الدار والوطن بعد ما فشا سره ووقف بلاط فرعون على أن موسى قتل أحد أنصار الفراعنة، لذلك ائتمروا عليه ليقتلوه، ولولا أن مؤمن آل فرعون أطلعه على حقيقة الحال لأخذته الجلاوزة وقضوا على حياته.
فلم تكن لهذا العمل أية فائدة فردية أو اجتماعية سوى إلجائه إلى ترك الديار وإلقاء الرحل في دار الغربة (مدين) والاشتغال برعي الغنم أجيرا عند شعيب عليه السلام.
فكما أن المعاصي تنسب إلى الشيطان، قال تعالى: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون)، فكذلك الأعمال الخاطئة الناجمة من العجلة وسوء التدبير التي تسوق الإنسان إلى عواقب وخيمة تنسب إليه أيضا.
وبهذا الوجه أيضا لا دليل لك على ما تريده من أن فعل موسى عليه السلام سواء في مناصرته للإسرائيلي أو في قتله للقبطي على أنه ذنب أوقعه فيه الشيطان!
وأنى للشيطان على الأنبياء سبيل يوقعهم من خلاله في المعصية والذنب وهم من عباد الله المخلصين! والله سبحانه وتعالى يحكي عن هذا الطريد بأنه قال: (فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين). وقوله:
(ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين). أليس موسى عليه السلام من عباد الله المخلصين؟ فكيف يغويه الشيطان ويوقعه في المعصية؟ ويقول تعالى:
(إن عبادي ليس لك عليهم سلطان). ومعلوم أن من خلص وأفضل عباد