تارة في خلاف الرشد وإظلام الأمر، وأخرى في فساد الشئ، قال ابن فارس: (فالأول: الغي وهو خلاف الرشد والجهل بالأمر والانهماك في الباطل يقال غوى يغوي غيا... الخ. أنظر كتاب مقاييس اللغة المجلد الرابع ص 339، فلعل وصف موسى عليه السلام له بذلك يريد منه - والله العالم - أنك غير رشيد لدخولك في أكثر من خصام مع الآخرين من أمثال هؤلاء القبطيين، أو معنى آخر من معاني كلمة الغي أو الغواية، كذلك.
ولو كان قوله، أي موسى عليه السلام الذي حكاه الله لنا (فلن أكون ظهيرا للمجرمين) هو: أي ناصرا لهم كما فعلت مع المجرم اليهودي عندما ناصرته وقتلت خصمه اليهودي كما ذكرت أنت لما كرر موسى عليه السلام مناصرة اليهودي مرة أخرى. لو كان فعلا مجرما وكان إجرامه معلوما لموسى، ولما أراد مرة أخرى أن يعينه على القبطي الثاني فيبطش به.
ومن هذا نعلم أن قوله (رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين) ليس فيه دليل على ما ذهبت إليه من أنه يفيد أن اليهودي الذي من شيعته كان مجرما وأن نصرته كانت ذنبا. وأما قول موسى عليه السلام الذي حكاه الله تعالى (قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين) فيحتمل فيه أكثر من وجه: الأول: أن يكون لفظ (هذا) إشارة إلى المناقشة التي دارت بين القبطي والإسرائيلي وانتهت إلى قتل الأول وعلى هذا الوجه ليست فيه دلالة على شئ مما تذهبون إليه... وقد روي من طرقنا أن المأمون العباسي سأل إمامنا الإمام علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام عن قوله تعالى: (هذا من عمل الشيطان).
فأجابه الإمام الرضا عليه السلام قائلا: (الاقتتال الذي كان وقع بين الرجلين لا ما فعله موسى من قتله).