حديث الذي يعرض الله صغار ذنوبه ويخبئ عنه كبارها وهو مشفق من كبارها أن تظهر، فيقول الله له: إني قد غفرتها لك وأبدلتك مكان كل سيئة حسنة. فيقول: أي رب إن لي سيئات لم أرها، إذا رأى تبديل السيئات بالحسنات طلب رؤية الذنوب الكبار التي كان مشفقا منها أن تظهر. ومعلوم أن حاله هذه مع هذا التبديل أعظم من حاله لو لم يقع السيئات ولا التبديل.
والمقصود هنا أن ما تضمنته قصة ذي النون مما يلام عليه كله مغفور بدله الله به حسنات ورفع درجاته وكان بعد خروجه من بطن الحوت وتوبته أعظم درجة منه قبل أن يقع ما وقع. قال تعالى: (فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم فاجتباه ربه فجعله من الصالحين). وهذا بخلاف حال التقام الحوت فإنه قال: (فالتقمه الحوت وهو مليم). فأخبر أنه في تلك الحال مليم. والمليم: الذي فعل ما يلام عليه، فالملام في تلك الحال لا في حال نبذه بالعراء وهو سقيم، فكانت حاله بعد قوله: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، أرفع من حاله قبل أن يكون ما كان والاعتبار بكمال النهاية لا بما جرى في البداية والأعمال بخواتيمها، والله تعالى خلق الإنسان وأخرجه من بطن أمه لا يعلم شيئا ثم علمه فنقله من حال النقص إلى حال الكمال فلا يجوز أن يعتبر قدر الإنسان بما وقع منه قبل حال الكمال، بل الاعتبار بحال كماله. ويونس صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء في حال النهاية حالهم أكمل الأحوال.
ومن هنا غلط من غلط في تفضيل الملائكة على الأنبياء والصالحين فإنهم اعتبروا الملائكة كمالا مع بداية الصالحين ونقصهم، فغلطوا ولو اعتبروا حال