الإمامة تلك الحقيقة القرآنية - الدكتور زهير بيطار - الصفحة ٧٤
وكيف تكون مراتب السلطة حينئذ، إذ تكون الآية قد فرضت طاعة العمال ممن دون مرتبة الإمام، بينما قد فرغت يدنا من نص في الكتاب يفرض طاعة ما للإمام، بملاحظة أن أصحاب هذه الدعوى ذاتهم يتأولون النصوص القرآنية الأخرى في الإمامة ليخرجوها عن دلالتها على الولاية العامة (كنص الولاية)، الأمر الذي يظهر الخلل في هذا المستوى من الفهم للنصوص، ذلك لأن في سيرة العقلاء وعرف المشرعين لا يمكن للشريعة التي تعد لبناء دولة أن تشرع طاعة عمال السلطان، بينما تهمل تشريع ولايته، فهذا من بدع الأمثال، وهو نقص في الأفعال، تنزه عنه الشارع الأقدس ذو الحكمة والكمال. لذلك اضطر القائلون به أن يضيفوا في مضمون أولي الأمر إلى جانب عمال النبي (صلى الله عليه وآله) من يأتي بعده من أولياء الأمور، فخلط هذا الفهم بين ولي أمر الأمة وبين عماله، وجعل ولاية الجميع على قدم المساواة، مما لا يمكن قبوله بأبسط قواعد المنطق، فطاعة عماله من سنخ آخر، لأنها نسبية محدودة بما يوكل إليه الولي من مهام، ويبقى المحكوم فيها مالكا لزمام أمره في الحيز ذي صلة، بحيث لو خرج العامل عن طاعة الإمام أو عن حدود وظيفته أو حدود المصلحة أو الشريعة، وجب على المكلف عدم طاعته والعودة إلى مصدر شرعيته أي الإمام، لذلك ومن حيث المبدأ، لم تكن هذه العلاقة بحاجة إلى فريضة ربانية توجبها، بل مثل هذه الفريضة لو وجدت تكبل الناس في حال شذوذ العامل عن جادة الصواب، بل هي تعطي قدسية لا ضرورة لها، يمكن أن يسئ استخدامها ليفرض على الناس ولاء لا مصلحة فيه، ولو كان جدلا من حاجة إلى تشريع من هذا القبيل، لوجب بنص آخر
(٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 ... » »»