الإمامة تلك الحقيقة القرآنية - الدكتور زهير بيطار - الصفحة ٧٣
هذا الادعاء يمثل سطحية غريبة في التعامل مع النصوص الإلهية، إذ أن فريضة بحجم هذه الطاعة التي أو جبها النص لا يكون مثلها إلا لولي أمر الأمة، ولا ريب أن كل من تعامل مع هذا النص قد فهم منه طاعة الولاية العامة، مما جعل فقهاء الجمهور يحرمون القيام على أولي الأمر ولو كانوا فاسقين أو ظلمة، بل اعتبروا من يقوم عليهم الأبغياء ولو كانوا من أهل العدالة، وسنعود إلى ذلك لاحقا خلال البحث، وهكذا يظهر أن حجم هذه الفريضة يفوق كثيرا الحجم الوظيفي الموكل إلى عمال النبي (صلى الله عليه وآله)، أو عمال الولي بعده، لجهة الصلاحية والمسؤولية، هذه المهام التي تستدعي خضوع الناس لها من قبيل الجري مع الضرورات الواقعية التي تفرضها طبيعة العلاقات في المجتمع، مثلها في ذلك كمثيلاتها في أي مجتمع إنساني له دولة وحكومة، وهي تنطبق على كل موظفي الدولة من أكبرهم إلى أصغرهم، حتى الحاجب في دائرة حكومية، أو الحارس على مؤسسة ذات طابع عام، فلا حاجة إلى جعل هذه العلاقة فريضة إلهية، ولا أن تعطى طاعة بحجم الولاية، بينما هي تستمد شرعيتها من السلطة العليا التي هي ما تشرع له الشرائع في العادة، والتي بتشريعها يستمد منها كل ما دونها شرعيته في مراتب الحاكمية.
إن ضرورة بناء الدولة تقتضي تشريع نظام الحاكمية فيها، ولا يمكن تشريع الطاعة لعمال الدولة مع إهمال تشريع طاعة السلطة العليا فيها، فلو لم تكن هذه الآية تحدثنا عن الولاية العامة لأولي الأمر كما أسلفنا، بل كانت تعني عمال النبي (صلى الله عليه وآله)، فماذا يكون الوضع بعده،
(٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 ... » »»