الإمامة تلك الحقيقة القرآنية - الدكتور زهير بيطار - الصفحة ٤٨
ما يصدر عنه وحيا * (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) *. ثم كيف يختلط على الناس كلام الرسول (صلى الله عليه وآله) بكلام الله، وهم على سليقتهم السليمة، وكلام الله له خصائص لا يشابه فيها كلام رسوله (صلى الله عليه وآله) أو سواه. ولماذا لم يكن هذا المحذور في حياته حتى سجلت بعض السنة، ثم أحرقت بعد وفاته، كما أشرنا إليه قبل قليل، ولم يؤثر عنه نهي عن كتابتها، بل أثر عنه الاعتناء بها والمحافظة عليها (1) بل إن النبي (صلى الله عليه وآله) وهو عالم بكثرة الكذب عليه في حياته وبعد وفاته لم يهمل الحفاظ على سننه ولا على كتاب الله، فهو

(1) مستدرك الحاكم ج 1، ص 105، مسند أحمد ج 2 ص 162 (قال عبد الله بن عمرو:
كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنهتني قريش وقالوا:
تكتب كل شئ تسمعه من رسول الله وهو بشر يتكلم في الغضب والرضا؟ قال عبد الله: فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فأومأ إلى فيه وقال: (أكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا الحق) وروى البخاري ج 1 ص 36 باب كتابة العلم " عن أبي هريرة قال: ما من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) أحد أكثر حديثا عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب ".
وروى البخاري ج 2 ص 221 عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي (عليه السلام) قال: ما عندنا شئ إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي (صلى الله عليه وآله) في إشارة إلى الصحيفة الجامعة التي كتبها علي عليه السلام عن رسول الله (صلى الله عليه وآله). وقد ظهر لنا خلال البحث كيف أن كثيرا من الصحابة كان لديهم صحف كتبوا فيها سنة الرسول (صلى الله عليه وآله)، فأبو بكر أحرق ما لديه حين تولى الخلافة، (وكان فيها خمسمائة حديث) وعمر جمع ما كان لدى الصحابة منها وأحرقه، وبعث إلى الأمصار من كان عنده شئ فليمحه; فهذه الحقائق كلها لا يمكن معارضتها بالرواية عن أبي سعيد الخدري بأن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر من كان عنده حديث مكتوب فليمحه، وهو من ناحية أخرى يعارض المنطق حين تعلم أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد علم بالكذب عليه في حياته وأخبر أنه سيكون بعد وفاته، ولما كانت الرواية عن حفظ مدعاة للخطأ عن سهو أو كذب، لذلك كان الأولى أن يأمر بالكتابة كما ظهر من حديث عبد الله بن عمرو الذي يؤيده حديث أبي هريرة، والأحاديث الأخرى التي تدل على أنه كان كثير من الصحابة قد كتبوا إلى أن أحرق أبو بكر ثم عمر ما جمعوا منها وأمر عمر بعدم الكتابة والحديث.
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»