الإمامة تلك الحقيقة القرآنية - الدكتور زهير بيطار - الصفحة ٢٦٢
لا تتوقف على هذا التخصيص، بل المدلول يستقيم دون حاجة إليه، وهو بعموم معنى الظلم أبلغ، وأقوى في الدلالة على حرمة الأكل بالباطل.
فالنص القرآني الذي نحن بصدده، قد حرم ولاية اليهود والنصارى مطلقة في صدر الكلام، ثم ذم في ذيله الذين يوادونهم أو يستنصرونهم وأنكر عليهم ذلك، فيكون هذا الفعل حراما لأنه وجه من الولاية ولأنه فعل يستنبطها، بل هذا الفهم أبلغ أثرا وأظهر بيانا بما يثبته من خطر مودتهم والاستنصار بهم، فيما يقود إليه من إعطائهم اليد والسبيل على المؤمنين، وبما يظهر من العلة في التحريم.
وهكذا نجد أن أسباب النزول لا تفيد في تخصيص معنى الولاية في (أولياء) ما دام أن الكلام قد جاء بهذا اللفظ الذي يحمل مضمونا عاما للولاية، لا خاصا بأي معنى ثانوي من مدلوله، وما دام أن النص يستقيم بالأصل الشامل للمعنى ولا يتوقف على تخصيصه. ومما يؤكد هذا دلائل في النص ذاته. فالله تعالى يقول * (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) * فلو لم تكن الولاية التي حرمها صدر الكلام هي جوهر الولاية الذي ذكرناه، بجعل اليد والسبيل لأهل الكتاب على المؤمنين وإعطائهم القياد والولاء، لما أضحى من يتولاهم منهم، أي مرتدا عن الدين، كما يؤكده بعد آيتين قوله تعالى * (.. من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه..) * فهذا تحذير لهم من الردة وتهديد لهم إن فعلوا، فما كانت ولاية الكافرين ردة لو لم تكن بالمفهوم الذي ذكرناه.
(٢٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 ... » »»