الإمامة تلك الحقيقة القرآنية - الدكتور زهير بيطار - الصفحة ٢١٢
الشاهدية تتجاوز حيزهم كثيرا كثيرا، فهي وظيفة تختزن حفظ الدين مطابقا لأصل الوحي مضمونا ونصوصا، وتختزن القيمومة عليه بروحه وأهدافه، في كل أبعاده الفردية والمجتمعية والإنسانية العالمية، والنخبة بالمفهوم المذكور هم من المتنورين في الأمة في أحسن تقدير، عليهم أن يقوموا بواجبات كل مؤمن في خدمة الدين، أما الشاهدية فهي عليهم ككل الناس، بل قبل غيرهم، إذ من يراجع التاريخ، يرى أن مثل هذه النخب - التي كل منها ظن أنه يفهم الإسلام حق الفهم أو ظن مريدوه كذلك - كثيرا ما كان سبب الفتنة والانحراف وسفك الدماء، بل أكثر الذي حصل من هذا كان منها. بل إن من الأمثلة الدامغة على حقيقة هذه النخبة ما يطالع المرء من مسلك الفقهاء ونتائج اجتهاداتهم في موضوع الخلافة، بعد العزوف عن إمامة آل محمد (صلى الله عليه وآله)، فيرى المهزلة حين خضع اجتهادهم لتقلبات الخلافة، ليبرر ويعطي الشرعية لكل نماذجها، حتى الأسوأ منها، فخلافة الاختيار والشورى تصح حتى بسبق الواحد إلى بيعة آخر، ولو عن غير سابق مشورة، فيلزم بها الأمة بأسرها، كما تصح الخلافة بالاستخلاف وبالغلبة والسطو على المقاليد، وتجب طاعة الولي الفاسق والجائر، ويصح تعدد الأئمة، وهكذا خضع الاجتهاد لأسوأ تقلبات الخلافة بكل مفاسدها، يبررها ويشرعها، وعجزت هذه النخبة، خلافا لما كان يرجى منها، عن بلورة نظام حكم إسلامي متميز، يكون معيارا يصحح مسار الخلافة. ولو كان ذلك لاختلف مسار تاريخ المسلمين برمته، فكشفت هذه الحقيقة عن انكسار النخبة أمام الواقع المنحرف، بل حملت الرعية على الخضوع له باسم
(٢١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 ... » »»