الإمامة تلك الحقيقة القرآنية - الدكتور زهير بيطار - الصفحة ٢٠٦
صددها، وكذلك لتناقض دلالة الآية مع الواقع حين يحمل الخطاب على عموم المسلمين، إذ لم يقم المسلمون كأمة وجماعة بدور في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على الصعيد الأممي، بل انشغلوا بالحروب والنزاعات الدامية فيما بينهم، ثم بالدفاع عن بلادهم، فكان سلوك دولتهم أو دولهم بين الأمم كسلوك أي دولة، غاية ملوكها الحفاظ على السلطان وتوسيعه، ولم يكن لهم من هم الرسالة شئ، حتى أن التاريخ سجل أن بعض الملوك الأمويين لم يكونوا يقبلون إسلام بعض الجماعات في ولايتهم، لكي لا ينقص مدخول بيت المال من الجزية، ولم يسجل التاريخ من بعد النبي (صلى الله عليه وآله) أن أحدا من الخلفاء أو الملوك قد بعث إلى دول العالم يدعوهم إلى الإسلام على سبيل المثال، على أن الفتوحات التي كانت في صدر الإسلام لم تأخذ طابع الأمر بالمعروف، لأنها لم تكن مسبوقة بدعوة واضحة من قبل الخلفاء، ولا بمحاولة للحوار الفكري من قوله تعالى * (وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) *، لذلك اتخذت طابع الفتوحات العسكرية، مما ترك أثرا سلبيا على علاقة الدين الجديد بالشعوب المجاورة، التي لم يصلها سلطان المسلمين، بينما كان دخول كثير من الشعوب بالإسلام بتأثير المسلمين الذين دخلوا بلادهم مسالمين كتجار لا كفاتحين، أكثر فعالية من الفتوحات ذاتها في بلاد آسيا وكثير من أفريقيا.
أما ما قيل حول الوسطية من توسط الإسلام بين اليهودية والنصرانية، أو بين المادية والروحانية، فما هو إلا محض إفتراض لا يوحي
(٢٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 ... » »»