فانظر إلى تعريض المشركين بالنبي (صلى الله عليه وآله) في أنه هو الذي ينشئ الآيات ويتقن صنعها، إذ يقولون له لولا أنشأتها فاجتهدت في اختيار الأفضل من اللفظ والبيان مما يستنبطه معنى اجتبيتها.
وكأنهم يقولون لولا أنشأت لنا آية فبذلت الجهد في تنميقها، تعبيرا عن بلاغة آيات القرآن التي لا يضاهيها شئ عهده المشركون قبله من البلاغة.
ألا يظهر من هذه النصوص مجتمعة حقيقة الاجتباء الرباني، كيف أنه يأتي دوما تعبيرا عن اصطفاء الأمثل من الخلق، ويأتي دوما تعبيرا عن عناية ربانية خاصة بعباد قد قربهم تعالى لما لهم من خصوصية الأمثلية في الصلاح والهدي، يصطفيهم من خلال رسالته ومن أجل وظائفها؟ فلو وضعنا النص الذي نحن بصدده قبالة النصوص القرآنية التي تتكلم عن الاجتباء، ألا يظهر لنا حينئذ أن الاجتباء في هذا النص سيصاب بالتشويه ويدفع خارج سياقه القرآني بل وخارج مضمونه اللغوي إذا اعتبرنا أنه يعني جميع المسلمين، والذين اعتدنا سماع الخطاب القرآني لهم بصيغة الذين آمنوا؟ بينما منهم جهلة لا يكادون يفقهون حديثا، ومنهم فاسدون مفسدون لا يجد العقل وجها لأمثليتهم حتى يكونوا من المجتبين وفي عدادهم، بل إن القرآن الكريم ذاته يخبرنا أن فيهم المنافقون والفسقة والظالمون والفجرة والذين لم يلمس الإيمان قلوبهم ولا عقولهم؟ فبأي معنى يكون مثل هؤلاء من المجتبين، وإن الوجدان ليمج وإن العقل ليأبى أن يميز الذي تلفظ بالشهادتين فلم تلامسان عقله وقلبه فكان جاهلا لا يكاد