على تجارة البهار الهامة وما تدره من أرباح هائلة، مسيطرة على سواحل مصر في البحرين الأبيض والأحمر، وسواحل أقاليم الجزيرة العربية في الحجاز واليمن والخليج. وأخيرا دولة عظمي بامتلاكها النموذج الحضاري المتميز الذي أسهم بإبداع في النهوض وبالمعرفة الإنسانية، ولا سيما الإسلامية، مما أبرز حلقة هامة من نهضات المسلمين.
ولا مراء، فإن مصر قبل أي بلد آخر بمركزها الاستراتيجي بين القارات كقاعدة لخلافتهم تعودت على أن تحرك السياسة وتنشئ الحضارة، خلقت للفاطميين هذا التاريخ المملوء بالنبض. ولكن الفاطميين بمجيئهم إلى مصر واتخاذها قاعدة لهم عملوا أيضا على إبراز أهمية دور مصر في الإسلام، وهو الدور المتميز الذي لا تزال تلعبه في الإسلام.
وقال في موضع آخر من كتابه هذا:
إن الفاطميين جاءوا من المغرب إلى مصر بناء على دعوة المصريين أنفسهم، فلم يكن المصريون سعداء في حكم الأخشيديين، فقد كانوا يتطلعون إلى مستقبل جديد مع هذه الدولة الإسلامية الفتية ليبنوا مصر الإسلامية التي لا تقل عن مصر الفرعونية، فلما وصل جيش المعز لدين الله الخليفة الفاطمي من المغرب إلى الإسكندرية سارع المصريون بإرسال وفد منهم إلى جوهر قائد جيشه باتفاق جميع طبقاتهم، كالقائد والكاتب والقاضي والتاجر والمسلم والقبطي.
والحقيقة أن الفاطميين، وهم أسرة علوية، اعتبرت خلافتهم في نظر المصريين خلافة شرعية، منافسة للخلافة العباسية، وذلك لأن المبدأ الدستوري القائم يومذاك، كان ينص على أن الخلافة الشرعية تكون في أسرة النبي، وعصبيتها تكون في قريش. لذلك لم يطمع المصريون مثل غيرهم من شعوب الإسلام في حكم أنفسهم. فهذه الأفكار في الوطنية لم يكن لها وجود في وقت الفاطميين، والفكرة المسيطرة على المسلمين أن تهمهم شرعية الحكم.
وقد بني جوهر في مصر عاصمة جديدة سميت القاهرة تفاؤلا بأنها ستقهر أعداء الأمة الإسلامية، وهي توجد في مكان عاصمة مصر القديمة (منف) عند رأس