فسار إلى القيروان محاولا استنهاض أهلها للصمود والقتال، فصاح به الناس:
أخرج عنا فمالك عندنا سمع ولا طاعة وشتموه، فخرج وهم يرجمونه.
ودخل أبو عبد الله رقادة وسار بعد ذلك إلى سجلماسة وجرى ما مر ذكره.
ويقول الدكتور موسى لقبال في كتابه (دور كتامة في تاريخ الخلافة الفاطمية) (ص 319 وما بعدها: " وفي سجلماسة نزل (المهدي) بدار أبي حبشة واستمرت حياته طبيعية هادئة حتى وصل البريد من طرف الأمير الأغلبي برسالة تكشف عن شخصية كصاحب الدعوة التي ينشرها الصنعاني في كتامة، بيد أنه لا يتصور أن يكون مضمون رسالة الأمير زيادة الله أمرا بقتله أو بإرساله إليه أو بالتضييق عليه " اه.
وذلك لما ذكرناه من استقلال صاحب سجلماسة عن الأمير الأغلبي ثم يتابع لقبال كلامه: " فإن أقصى ما نال عبد الله هو التضييق عليه مجاملة للأمير الأغلبي وللخليفة العباسي فنقله إلى مكان خاص تملكه مريم بنت مدرار وهي إحدى سيدات الأسرة الحاكمة لتصبح مراقبته ممكنة وميسورة، ولم تتغير معاملة إليسع لعبد الله وابنه حتى سمع نبأ توجه الداعي إلى سجلماسة عندئذ فقط سجن كل واحد منهما على انفراد في مكان ضيق عرف بالمطبق وعرضهما واتباعهما لامتحانات عسيرة لكنه لم يستطع أن يظفر بأي اعترف عن علاقتهم بالحركة التي يتجه أنصارها الآن عبر أرجاء المغرب " اه.
وبعد النجاحات التي حققها أبو عبد الله لا سيما استصفاء الإمارة الرستمية الأباضية قرر المضي إلى سجلماسة، قرر ذلك وفي نفسه كل الخوف على المهدي سجين إليسع بن مدرار، السجين الذي يقاتل له ويدعوا إلى خلافته..
فماذا سيفعل ابن مدرار حين يبلغه نبأ توجه أبي عبد الله إليه؟ هذا ما كان يشغل فكر أبي عبد الله وهو يصم على التوه بجيشه إلى سجلماسة...
وإذا كان فكره مشغولا بذلك، فلم يكن فكر ابن مدرار ومستشاريه أقل انشغالا حين بلغهم أن أبا عبد الله يقصدهم في سجلماسة.