الإسماعيليون والمغول ونصير الدين الطوسي - حسن الأمين - الصفحة ٢٤٧
وهكذا قام حاكم إسماعيلي في شمال إفريقيا، مثلما قام في اليمن، والإمام في حالة الاستتار يحكم باسمه وهو بعيد مستتر.
فلما وصل الأمر إلى هذا الحد، وزالت دواعي الاستتار، وصار للإمام من يحميه ويذود عنه كان لا بد من ظهوره، فأرسل أبو عبد الله رجالا من كتامة ليخبروا الإمام عبد الله بما فتح الله عليه ويدعوه إلى إفريقيا لمباشرة السلطة بنفسه.
وكان قد شاع الخبر في الناس وذلك في عهد المكتفي العباسي، فبثت الأرصاد والعيون للقبض عليه، ولكنه استطاع الوصول إلى مصر متخفيا مع ولده نزار وهو يومئذ غلام - يصحبه جماعة من خاصته ومواليه، وذلك أيام زيادة الله وكان يسير متنكرا بزي التجار، فدخل مصر بهذا الحال، واكن خليفة بغداد قد أرسل إلى والي مصر عيسى النوشري يأمره بمراقبة الداخلين إلى مصر، مبينا له صفات عبد الله وحليته طالبا منه القبض عليه وعلى كل من يشبهه.
وكان بعض حاشية عيسى متشيعا فأخبر عبد الله وأشار عليه بالإسراع بترك مصر، فخرج منها مع أصحابه، ومع أموال كثيرة كان قد حملها معه من سلمية.
يقول ابن الأثير (ج 8، ص 38، ط 1966):
" فلما وصل الكتاب إلى النوشري فرق الرسل في طلب المهدي وخرج بنفسه فلحقه، فلما رآه لم يشك فيه، وقال له: أعلمني بحقيقة حالك حتى أطلقت، فخوفه بالله تعالى وأنكر حاله، ولم يزل يخوفه ويتلطفه فأطلقه وخلى سبيله وأراد أن يرسل معه من يوصله إلى رفقته، فقال: لا حاجة بي إلى ذلك ودعا له.
وقيل إنه أعطاه في الباطن مالا حتى أطلقه، فرجع بعض أصحاب النوشري عليه باللوم، فندم على إطلاقه، وأراد إرسال الجيش وراءه ليردوه ".
وهنا يتدخل القدر بعجائبه فيحدث أمر تافه يبدل مجرى التاريخ، فإن ابن الأثير يتمم كلامه السابق قائلا:
(٢٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 ... » »»