التحقيق مع رفاق المهدي الذين وصلوا إلى طرابلس، وأن تظهر نتيجة التحقيق أن الرجل المقصود قد تخلف في طرابلس وأن أرسل صاحبه أبا العباس إلى القيروان.
فجري في الحال القبض على أبي العباس. وحتى هذه الساعة لم يكن الأمر أمر يقين عند السلطة أنه الرجل المتخلف في طرابلس هو عبد الله المهدي وأن أبا العباس هو رسوله الموفد من قبله، وإنما كان الأمر أمر شبهة قوية مرجحة، وعلى هذا الأساس جرى التحقيق مع أبي العباس.
ولعل من الطريف أن نذكر هنا كيف كان يعبر في ذلك العصر عما نسميه في عصرنا (التحقيق)، أنهم كانوا يسمونه: (التقرير). لذلك نرى ابن الأثير يقول عن القبض عن أبي العباس والتحقيق معه: " فأخذ أبو العباس، وقرر فأنكر، وقال:
إنما أنا رجل تاجر صحبت رجلا في القفل ".
ومن الطبيعي أن لا تقنع السلطة بهذا الجواب، وأن تأمر بسجن أبي العباس لتتثبت من الأمر.
وإذا كانت استخبارات زيادة الله متيقظة ونشيطة، فإن عبد الله المهدي كان ذكيا حذرا بحيث استطاع أن يتقي ظنون والي طرابلس، فقد عمل منذ وصل طرابلس إلى أخذ المبادرة بالاتصال بوالي طرابلس وحمل الهدايا إليه بحيث أبعد نفسه عن كل ريب يمكن أن يثيره في نفس الوالي وجوده في طرابلس، وكذلك كانت له هو الآخر استخباراته التي أبلغته بما جرى من التحقيق مع أبي العباس وسجنه. لذلك بادر إلى ترك طرابلس واتجه إلى (قسطيلة).
عندما وصلت رغبة زيادة الله إلى والي طرابلس بالقبض على المشتبه به عبد الله المهدي كان هذا قد غادر طرابلس.
وهنا يجدر بنا أن نسجل لعبد الله المهدي منقبة خلقية كبرى، فإنه وهو في هذا الموقف الحرج الذي أدرك خطورته لم يفكر بنفسه فقط والعمل على النجاة بها وحدها، بل فكر برفيقه وشقيق قائده أبي عبد الله، فكر بأبي العباس الموقوف في سجن زيادة الله.