الإسماعيليون والمغول ونصير الدين الطوسي - حسن الأمين - الصفحة ٢٣٦
إلى أن يقول الجندي:
خرج الإمام محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق متخفيا عن عيون أبي جعفر المنصور من المدينة المنورة وذهب إلى الشرق متنقلا بين بلدة الري من أرض فارس ونهاوند ودماوند، ولكنه لم يطمئن لأن عيون الخليفة كانت تلاحقه فاتجه إلى الغرب وإلى المدينة تدمر بالذات من سوريا، وذلك عام 191 ه‍ فاستوطنها وتوفي بها وقبره يدعى الآن: قبر محمد بن علي، وقد خلفه في الإمامة ابنه عبد الله بن محمد، فلم تعجبه تدمر واختار بلدة السلمية لأنها كانت بلدة تجارية وفيها مياه عذبة وفيها غرباء كثيرون. في هذه البلدة كان الدعاء الإماميون برئاسة الإمام (الوفي أحمد) بن عبد الله مار الذكر، وقد سميت الدار التي كانت تقام فيها الاجتماعات: دار الدعوة. وقد كنا ونحن أطفال ندخل بعض البيوت القديمة في سلمية فننزل في أقبية عميقة فيها غرف ومياه وكل ما يلزم للسكنى، ويبدو أن هذه البيوت كانت مخابئ لهؤلاء الذين كانت الحكومة العباسية ناقمة عليهم.
ومن المهم هنا أن نذكر أن (إخوان الصفا) الذين يتحدث عنهم المؤرخون هذه الأيام ودارسو الفلسفة، قد كانوا من دعاة الإمام. ويؤكد المحفوظ من المخطوطات عند الطائفة الإسماعيلية أن أخوان الصفا هم دعاة مستورون للأئمة وأنهم كانوا في سلمية ولهم فروع في أمصار أخرى، وقد عملوا للأئمة المستورين: وفي أحمد، وتقي الدين، ورضي الدين عبد الله الذي هو والد أبي محمد المهدي الذي ذهب إلى إفريقيا وبني فيها بلدة المهدية وتفرعت عنه الدولة الفاطمية.
ولقد تعرضت بلدة السلمية إلى كوارث كثيرة من أهمها: الزلازل التي هدمتها مرارا، وإلى غزوات البدو المحيطين بها، وأهم من ذلك غزو القرامطة الذين فتكوا بأهلها فخرجت وأصبحت مرتعا للبدو الذين طمعوا بالاستفادة من أهلها، فغادر الأهلون البلدة أو أكثرهم إلى جهات أخرى. وفي العهد العثماني كان كل ما تبقى من سلمية سورها القديم الروماني وقلعتها التي أصبحت مركزا لرجال
(٢٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 ... » »»