وصار سببا لقتل عمار بن ياسر، وقتل سبعين ألف أو أزيد من المسلمين، ولما أحس باقتراب غلبة الحق وظهوره على الباطل، أوحى شيطانه إليه بمكيدة أخرى، وألقى في روعه أن يأمر برفع المصاحف على الرماح والقنى. فوصل إلى ما أحب، وأدرك ما أراد، من وقوع الاختلاف في جند علي والتشتت لكلمتهم، والتفرق من جماعتهم والخلل في إطاعتهم (وقد كان من قبل ذلك خادع بعض المنافقين والمستضعفين من رؤساء جند علي وأطمعهم ببذل المال ووعد الجاه).
ولم يطل الزمان بعد ذلك حتى قتل علي 1 وبويع الحسن، ابنه، فرأى معاوية أنه لا يمكن له أن يتهم الحسن بقتل عثمان، كما صنع بالنسبة إلى أبيه، ولا أن يطالب عنه قتلة عثمان، الذين لعله لم يكن أحد من المتهمين به في قيد الحياة، فلا بد وأن يدخل من باب آخر للفوز بما يتمناه، فتوسل بمكائد سوأى وتعمل دسائس أخرى حتى اضطر الحسن إلى إلقاء حبل الخلافة على غاربها، وقبول الصلح من غاصبها.
- 28 - وحينئذ، آل الأمر إلى ما آل، ونال معاوية بما لم يكد يتصور أن ينال، واتسم لقب خال المؤمنين، واغتصب عنوان خليفة المسلمين، فعليه أن يسعى لتشديد مباني سلطنته، ويجتهد في تحكيم قواعد حكومته، باسم الإسلام، وتحت عنوان خلافته، فماذا عليه أن يفعل؟