قاتل بعض، أو إنكم قاتلي... " فبويع علي بالإكراه، ورضى الناس وفرحوا "... وبلغ من سرورهم ببيعتهم إياه أن ابتهج بها الصغير، وهدج إليها الكبير، وتحامل نحوها العليل، وحسرت عليها الكعاب " (نهج البلاغة).
حينئذ تيقضت الفتنة، وتجهزت للنهضة، فتطايرت الكتب، وتتابعت الرسل فكتب مروان إلى معاوية يحرضه على المخالفة ويمنيه الخلافة. وكتب معاوية إليه وإلى غيره من أجلاف بني أمية وأجلادهم، وإلى كل من يرجو خلافه على علي (ع) من أكابر الصحابة، بالوعد والوعيد، والتصريح والتعريض، والتهييج والتحريض، حتى كتب إلى الزبير بأنه أخذ له البيعة من أهل الشام.
- 24 - من المأثور قديما إن " الإنسان مأخوذ من النسيان " ولعل الفحص والاعتبار يوافقه، إذا الإنسان أو يتناسى كثيرا مما يرتبط به، سيما إذا كانت أمورا مذمومة لا يراها اللائق بشأنها اللاحق، ولا مناسبا لما يرجوه ويتمناه من غرضه السامي وهدفه الفائق.
فلا تعجب إذا ترى أن معاوية نسي أو تناسى أن أباه أبو سفيان هو الذي حاد الله وعانده، ونازع الرسول وحاربه، وما آمن بالله إلا بالإكراه، وما خضع للإسلام إلا بالإجبار والإلجام، وأن أمه هند، أم الفساد والإفساد، المعروفة ب " آكلة الأكباد " وهو نفسه كما كتب علي (ع) إلى زياد بن أبيه، هو الشيطان:
"... فاحذره (يعني معاوية) فإنما هو الشيطان يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ليقتحم عفلته ويستلب غرته... " وكما كتب أيضا إلى معاوية نفسه مرة:
"... وإنك لذهاب في التيه، رواغ عن القصد... " وقال في شأنه مرة