الأخلاق الحسينية - جعفر البياتي - الصفحة ٣٤
ولما زار مقابر الشهداء بالبقيع، قال عليه السلام:
ناديت سكان القبور فأسكتوا * فأجابني عن صمتهم ندب الحشا قالت أتدري ما صنعت بساكني * مزقت جثمانا وخرقت الكسا وحشوت أعينهم ترابا بعد ما * كانت تأذى باليسير من القذا أما العظام.. فإنني مزقتها * حتى تباينت المفاصل والشوى قطعت ذا من ذا ومن هذا كذا * فتركتها مما يطول بها البلى (1) كلمات رشيقة، وعبارات عذبة، ومعان عالية في صور مؤنسة، أثمرت عن أبيات واضحة سهلة الحفظ، من شأنها أن تبقى في خاطر السامع تتردد على ذاكرته حتى ترسخ قيمها الأخلاقية والعقائدية، فتنعكس سلوكا صحيحا وموقفا محقا.
والآن، نذهب إلى المنبر الحسيني الواعظ، حيث نستمع إلى ما يجود به علينا من كلمات راشدة، وحكم باصرة، ووصايا ذات عبر...
خطب الإمام الحسين عليه السلام يوما فقال:
يا أيها الناس! نافسوا في المكارم، وسارعوا في المغانم... واعلموا أن حوائج الناس إليكم، من نعم الله عليكم، فلا تملوا النعم فتحور نقما.
واعلموا أن المعروف مكسب حمدا، ومعقب أجرا، فلو رأيتم المعروف رجلا، رأيتموه حسنا جميلا، يسر الناظرين، ولو رأيتم اللؤم رأيتموه سمجا (2) مشوها، تنفر منه القلوب، وتغض دونه الأبصار.
أيها الناس! من جاد ساد، ومن بخل رذل. وإن أجود الناس من أعطى

1 - تاريخ ابن عساكر 4: 325.
2 - السمج: القبيح والخبيث.
(٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 ... » »»
الفهرست