الأخلاق الحسينية - جعفر البياتي - الصفحة ١٢٠
وقال: اللهم اشهد على هؤلاء، فقد برز إليهم أشبه الناس برسولك محمد خلقا وخلقا ومنطقا، وكنا إذا اشتقنا إلى رؤية نبيك نظرنا إليه.. ونزل علي الأكبر إلى ساحة القتال وعين أبيه الحسين تلاحقه، حتى اشتد به العطش بعد أن قتل عددا من الفرسان، فرجع إلى أبيه يستريح ويذكر ما أجهده من العطش، فبكى الحسين رحمة، وقال له: واغوثاه! ما أسرع الملتقى بجدك، فيسقيك بكأسه شربة لا تظمأ بعدها. وأخذ لسانه فمصه، ودفع إليه خاتمه ليضعه في فمه.
فعاد علي الأكبر إلى الميدان يكثر القتلى في أهل الكوفة، حتى طعنه مرة بن منقذ العبدي بالرمح في ظهره، وضربه بالسيف على رأسه ففلق هامته، واعتنق فرسه فاحتمله إلى معسكر الأعداء وأحاطوا به حتى قطعوه بسيوفهم إربا إربا (1). ففجع به أبوه الحسين عليه السلام. وأتاه وانكب عليه واضعا خده على خد ولده وهو يقول: على الدنيا بعدك العفا، ما أجرأهم على الرحمن، وعلى انتهاك حرمة الرسول.. وأمر فتيانه أن يحملوه إلى الخيمة، فجاؤوا به إلى الفسطاط الذي يقاتلون أمامه (2).
إن هذا العطاء ما لا يتحمله إلا السخاء الحسيني الذي لم يقف عند هذا الحد، فقد قدم بعد ذلك عبد الله بن مسلم بن عقيل ابن أخته رقية الكبرى، ومحمدا وعونا ابني عبد الله بن جعفر الطيار، ابني أخته زينب الكبرى عليها السلام، وعبد الرحمن وجعفرا ولدي عقيل بن أبي طالب، ومحمد بن مسلم بن عقيل، وأخاه محمد بن أمير المؤمنين علي عليه السلام، وعبد الله

١ - مقتل الحسين عليه السلام ٢: ٣١.
٢ - الإرشاد. وتاريخ الطبري ٦: ٢٥٦. ومقتل الحسين عليه السلام 2: 31.
(١٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 ... » »»
الفهرست