.. حتى يغرق معه في بحر ظلمه للناس، أو بحر انحرافه ورذيلته!
وقد تتسامح الأمة في اعتداء الأجانب عليها، أو في نفوذهم السياسي، أو الاقتصادي أو الثقافي في بلادها.. فينجر الأمر إلى تسلطهم على مقدراتها، وسيطرتهم عليها..
أو يتسامح المجتمع في مظهر من مظاهر الفساد والمنكر أول ما يحدث في محلة أو منطقة منه ، أو في فئة من فئاته..
أو يتسامح المجتمع في شروط حاكمه، ووزرائه وقضاته، أو في ظلمهم وسوء سيرتهم.. فينجر ذلك إلى شمول الفساد في المجتمع، وتسارع هلاكه!
فالمحقرات من الذنوب هي المواقف أو التصرفات الصغيرة، التي تكون في منطق الأحداث والتاريخ بذورا غير منظورة، لشجرة شر كبيرة، على المستوى الفردي أو الاجتماعي!! وبهذا ورد تفسيرها عن النبي صلى الله عليه وآله في مصادر الطرفين.. ففي الكافي 2 / 288:
(عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله نزل بأرض قرعاء ، فقال لأصحابه: إئتوا بحطب، فقالوا: يا رسول الله نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب ! قال: فليأت كل إنسان بما قدر عليه، فجاؤوا به حتى رموا بين يديه، بعضه على بعض ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هكذا تجتمع الذنوب، ثم قال: إياكم والمحقرات من الذنوب، فإن لكل شيء طالبا، ألا وإن طالبها يكتب ما قدموا وآثارهم، وكل شيء أحصيناه في إمام مبين). انتهى.
وفي سنن البيهقي: 10 / 188:
(عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم ومحقرات الأعمال، إنهن ليجمعن على الرجل حتى يهلكنه، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهن مثلا، كمثل قوم نزلوا بأرض فلاة فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل يجيء بالعويد، والرجل يجيء بالعويد، حتى جمعوا من ذلك سوادا، ثم أججوا نارا، فأنضجت ما قذف فيها). انتهى .
وهذان الحديثان الشريفان ناظران إلى التراكم الكمي للذنوب والأخطاء المحقرة، وكيف تتحول إلى خطر نوعي في حياة الفرد والمجتمع.
وقد يكون الحديثان التاليان ناظرين إلى التراكم الكيفي في نفس الإنسان والمجتمع، وشخصيتهما