وقد راجعت ما تيسر لي من المصادر السنية في مسألة الربا والكلالة، فهالتني مشكلة الخليفة معهما، خاصة مسألة الكلالة، حتى أنه جعلها من قضية الهامة على مستوى قضايا الأمة الإسلامية الكبرى، وكان يطرحها من على منبر النبي صلى الله عليه وآله! واستمر يطرحها كمشكلة كبرى، حتى ساعات حياته الأخيرة، وأوصى المسلمين بحلها! وهو أمر غريب يدل على شعوره العميق بالحرج أمام المسلمين، لعدم تمكنه من استيعابها!!
ففي صحيح البخاري: 6 / 242:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: خطب عمر على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنه قد نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة أشياء: العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل . والخمر ما خامر العقل. وثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارقنا حتى يعهد إلينا عهدا: الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا. انتهى.
ورواه مسلم في: 2 / 81، بتفصيل أكثر، وروى نحوه في: 5 / 61 و 8 / 245، ورواه ابن ماجة في: 2 / 910، وقال عنه السيوطي في الدر المنثور: 2 / 249: وأخرج عبد الرزاق ، والبخاري، ومسلم، وابن جرير، وابن المنذر، عن عمر...
ويدل هذا الصحيح المؤكد، على أن عمر لم يسأل النبي صلى الله عليه وآله عن الكلالة.
وقد صرح بذلك ما رواه الحاكم في المستدرك وصححه: 2 / 303، قال:
محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة يحدث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أكون سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاث أحب إلي من حمر النعم: عن الخليفة بعده، وعن قوم قالوا نقر بالزكاة في أموالنا ولا نؤديها إليك، أيحل قتالهم؟ وعن الكلالة. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. انتهى.
ولكن ماذا يصنعون بصحيح مسلم الذي روى أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وآله عنها مرارا ! قال مسلم في: 5 / 61:
عن معدان بن أبي طلحة أن عمر بن الخطاب خطب يوم جمعة فذكر نبي الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر أبا بكر ثم قال: إني لا أدع بعدي شيئا أهم عندي من الكلالة! ما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما راجعته في الكلالة! وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه، حتى طعن بإصبعه في صدري وقال: يا عمر ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة