للناس علما، فإني لم أقبض نبيا من أنبيائي إلا بعد إكمال ديني، ولم أترك أرضي بغير حجة على خلقي... الخ.
فأخذ النبي صلى الله عليه وآله يفكر في طريقة الإعلان، نظرا إلى وضع قريش المتشنج، وقال في نفسه: أمتي حديثو عهد بالجاهلية ومتى أخبرتهم بهذا في ابن عمي يقول قائل، ويقول قائل!
لذلك قرر أن ينفذ هذا الأمر الإلهي الجديد في عترته، بعد رجوعه إلى المدينة، بالتمهيد المناسب، وبمعونة الأنصار..
الوحي يوقف القافلة النبوية ورحل النبي صلى الله عليه وآله من مكة وهو ناو أن يكون أول عمل يقوم به في المدينة إعلان ولاية عترته، كما أمره ربه تعالى.
لكن في اليوم الثالث من مسيره، عندما وصل إلى كراع الغميم، وهو كما في مراصد الاطلاع : موضع بين مكة والمدينة، أمام عسفان بثمانية أميال.. جاءه جبرئيل عليه السلام لخمس ساعات مضت من النهار، وقال له: يا محمد إن الله عز وجل يقرؤك السلام ويقول لك (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، والله يعصمك من الناس، إن الله لا يهدي القوم الكافرين).
فخاف النبي صلى الله عليه وآله وخشع لربه، وتسمر في مكانه، وأصدر أمره إلى المسلمين بالتوقف، وكان أولهم قد وصل إلى مشارف الجحفة، وكانت الجحفة بلدة عامرة على بعد ميلين أو أقل من كراع الغميم، ولكن النبي صلى الله عليه وآله أراد تنفيذ الأمر الإلهي المشدد فورا، في المكان الذي نزل فيه الوحي..
قال صلى الله عليه وآله للناس: أنيخوا ناقتي فوالله ما أبرح من هذا المكان حتى أبلغ رسالة ربي.. وأمرهم أن يردوا من تقدم من المسلمين إليه، ويوقفوا من تأخر منهم حين يصلون إليه..
ونزل الرسول عن ناقته، وكان جبرئيل إلى جانبه، ينظر إليه نظرة الرضا، وهو يراه يرتجف من خشية ربه، وعيناه تدمعان خشوعا وهو يقول: تهديد.. ووعد ووعيد.. لأمضين في أمر الله، فإن يتهموني ويكذبوني فهو أهون علي من أن يعاقبني العقوبة الموجعة في الدنيا