الذين كانوا يحترمون الصحابة مثلما يحترمهم الخلف؟ فلو كان الحق ترك التكلم فيهم وإعذارهم بالاجتهاد، فلماذا وصف النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بعضهم بالارتداد، كما رواه البخاري وغيره؟ (1).
وإذا دار الأمر بين كون القرآن أو النبي (صلى الله عليه وآله) أسوة، أو الكلمة المأثورة عن الحسن البصري، فالأول هو المتعين، ويضرب بالثاني عرض الجدار.
الردة بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) بقيت هنا كلمة وهي: إذا كان موقف الشيعة وأئمتهم من الصحابة ما ذكر آنفا، فما معنى ما رواه أبو عمرو الكشي من أنه ارتد الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا ثلاثة؟ إذ لو صح ما ذكر، وجب الالتزام بأن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) لم ينجح في دعوته، ولم يتخرج من مدرسته إلا قلائل لا يعتد بهم في مقابل ما ضحى به من النفس والنفيس.
والإجابة على هذا السؤال واضحة لمن تفحص عنها سندا ومتنا، فإن ما رواه لا يتجاوز السبع روايات، وهي بين ضعيف لا يعول عليه، وموثق - حسب اصطلاح علماء الإمامية في تصنيف الأحاديث - وصحيح قابلين للتأويل، ولا يدلان على الارتداد عن الدين، والخروج عن الإسلام بل يرميان إلى أمر آخر.
أما الضعيف فهو ما رواه الكشي عن حمدويه وإبراهيم ابني نصير قال: حدثنا محمد بن عثمان، عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " كان الناس أهل الردة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) إلا ثلاثة... " (2).
وكفى في ضعفها وجود محمد بن عثمان في سندها، وهو من المجاهيل.