بمجرد الصحبة، وهي لقاء النبي (صلى الله عليه وآله) مؤمنا به ومات على الإسلام. وإن ذلك ليس كافيا في ثبوت العدالة بعد الاتفاق على عدم العصمة المانعة من صدور الذنب، فمن علمنا عدالته حكمنا بها وقبلنا روايته، ولزمنا له من التعظيم والتوقير، بسبب شرف الصحبة ونصرة الإسلام والجهاد في سبيل الله ما هو أهله، ومن علمنا منه خلاف ذلك لم تقبل روايته، أمثال مروان بن الحكم، والمغيرة بن شعبة، والوليد بن عقبة، وبسر بن أرطاة وبعض بني أمية وأعوانهم، ومن جهلنا حاله في العدالة توقفنا في قبول روايته.
ومما يمكن أن يذكر في المقام أن النبي (صلى الله عليه وآله) توفي ومن رآه وسمع عنه يتجاوز مائة ألف إنسان من رجل وامرأة على ما حكاه ابن حجر في الإصابة عن أبي زرعة الرازي: " وقيل مات (صلى الله عليه وآله) عن مائة وأربعة عشر ألف صحابي " ومن الممتنع عادة أن يكون هذا العدد في كثرته وتفرق أهوائه وكون النفوس البشرية مطبوعة على حب الشهوات كلهم قد حصلت لهم ملكة التقوى المانعة عن صدور الكبائر، والإصرار على الصغائر بمجرد رؤية النبي (صلى الله عليه وآله) والإيمان به، ونحن نعلم أن منهم من أسلم طوعا ورغبة في الإسلام، ومنهم من أسلم خوفا وكرها، ومنهم المؤلفة قلوبهم، وما كانت هذه الأمة إلا كغيرها من الأمم التي جبلت على حب الشهوات وخلقت فيها الطبائع القائدة إلى ذلك إن لم يردع رادع والكل من بني آدم، وقد صح عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " لتسلكن سنن من قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتى لو دخل أحدهم جحر ضب لدخلتموه ". ولو منعت رؤية النبي (صلى الله عليه وآله) من وقوع الذنب لمنعت من الارتداد الذي حصل من جماعة منهم كعبد الله بن جحش، وعبيد الله بن خطل، وربيعة بن أمية بن خلف، والأشعث بن قيس (1) وغيرهم. هذا مع ما شوهد