أخبر إبراهيم (عليه السلام) ولده إسماعيل (عليه السلام) بأنه رأى في المنام أنه يذبحه، ورؤيا الأنبياء (كما ورد في الحديث) من أقسام الوحي، فكانت رؤياه صادقة حاكية عن حقيقة ثابتة، وهي أمر الله إبراهيم بذبح ولده، وقد تحقق ذلك الأمر، أي أمر الله سبحانه به.
ولكن قوله: {إني أرى في المنام أني أذبحك} يكشف عن أمرين:
أولا: الأمر بذبح الولد أمر تشريعي كما عرفت وقد تحقق.
ثانيا: الحكاية عن تحقق ذلك في الواقع الخارجي وأن إبراهيم سيمتثل ذلك، والحال أنه لم يتحقق لفقدان شرطه وهو عدم النسخ، ويحكي عن كلا الأمرين قوله: {وفديناه بذبح عظيم}.
وعندئذ يطرح هذا السؤال نفسه: بأنه كيف أخبر خليل الرحمن بشئ من الملاحم والمغيبات، ثم لم يتحقق؟ والجواب عن هذا السؤال يكمن في الأمر الذي أشرنا إليه سابقا وهو أن إبراهيم (عليه السلام) وقف على المقتضى فأخبر بالمقتضي، ولكنه لم يقف على ما هو العلة التامة، وليس لعلمه هذا مصدر سوى اتصاله بلوح المحو والإثبات.
2 - وأما يونس (عليه السلام) فإنه أنذر قومه بأنهم إن لم يؤمنوا فسوف يصيبهم العذاب إلى ثلاثة أيام (1) وما كان قوله تخرص أو تخويف، بل كان يخبر عن حقيقة يعلم بها، إلا أن هذا الأمر لم يقع كما هو معروف، وفي هذا إشارة واضحة إلى أنه (عليه السلام) وقف على المقتضي ولم يقف على المانع، وهو أن القوم سيتوبون عند رؤية العذاب توبة صادقة يعلمها الله تعالى ترفع عنهم العذاب الذي وعدوا به، وإلى ذلك يشير قوله سبحانه:
{فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين} (2).