أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٤٤٥
والذي لا يتطرق التغيير إليه هو الثاني دون الأول، وأن القول بسيادة القدر على اختيار الإنسان في مجال الطاعة والمعصية، قول بالجبر الباطل بالعقل والضرورة ومحكمات الكتاب. ومن جنح إليه لزمه القول بلغوية إرسال الرسل وإنزال الكتب {ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار} (1).
وكما أنه سبحانه يداه مبسوطتان، كذلك العبد مختار في أفعاله لا مسير، وحر في تصرفاته (2) لا مجبور، له أن يغير مصيره ومقدره بحسن فعله وجودة عمله، ويخرج اسمه من الأشقياء، ويدخله في السعداء، كما أن له أن يخرج اسمه من السعداء ويدخله في الأشقياء بسوء عمله.
فالله سبحانه كما يمحو ويثبت في التكوين، فيحيي ويميت، كذلك يمحو مصير العبد ويغيره حسب ما يغير العبد بنفسه (فعله وعمله) لقوله سبحانه: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " (3)، كل ذلك لأجل أن يديه مبسوطتان، وأن العبد حر مختار، قادر على تغيير القضاء، وتبديل القدر، بحسن فعله أو سوئه، كما دلت عليه الآيات والروايات.
وليس في ذلك أي محذور ولا مخالفة للعقل ولا الكتاب والسنة، بل تغيير القضاء بحسن الفعل وتغيير القدر بسوئه، هو أيضا من قدره وقضائه وسننه التي لا تبديل لها ولا تغيير، فالله سبحانه إذا قدر لعبده شيئا وقضى له بأمر، فلم يقدره ولم يقض به على وجه القطع والبت، بحيث لا يتغير ولا يتبدل، بل قضى به على وجه خاص، وهو أن القضاء والقدر يجري عليه، ما لم يغير العبد حاله، فإذا غير

(١) ص: ٢٧.
(٢) لا يخفى أن المقصود من أفعال الإنسان التي تثبت اختياره فيها هي الأفعال التي تتعلق بها التكاليف لا الأفعال القهرية التي تصدر من جهازه الهضمي مثلا.
(٣) الرعد: ١١.
(٤٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 440 441 442 443 444 445 446 447 448 449 450 ... » »»