3 - أخبر موسى قومه بأنه سيغيب عنهم ثلاثين ليلة، كما روي عن ابن عباس حيث قال: إن موسى قال لقومه: إن ربي وعدني ثلاثين ليلة أن ألقاه وأخلف هارون فيكم، فلما فصل موسى إلى ربه زاده الله عشرا، فكانت فتنتهم في العشر التي زاده الله (1).
وإلى هذا الأمر يشير قوله سبحانه: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين} (2).
فلا شك أن موسى أطلع على الخبر الأول ولم يطلع على نسخه، وأن التوقيت سيزيد، ولا مصدر لعلمه إلا الاتصال بلوح المحو والإثبات.
هذه جملة الأخبار التي تحدث بها الذكر الحكيم عن أحداث ووقائع كان النبيون (عليهم السلام) قد أخبروا بحتمية وقوعها على حد علمهم، إلا أنها لم تتحقق، وعندها لا مناص من تفسيرها بوقوف أنبياء الله تعالى على المقتضي دون العلة التامة.
فعندما يظهر عدم التحقق يطلق عليه البداء، والمراد به أنه بدا من الله لنبيه وللناس ما خفي عليهم، على غرار قوله سبحانه: {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون} (3) فالبداء إذا نسب إلى الله سبحانه فهو بداء منه، وإذا نسب إلى الناس فهو بداء لهم.
وبعبارة أخرى: البداء من الله هو إظهار ما خفي على الناس، والبداء من الناس بمعنى ظهور ما خفي لهم، وهذا هو الحق الصراح الذي لا يرتاب فيه أحد.