وأخبار الهداة.
وبهذا يظهر أن البداء من المعارف العليا التي اتفقت عليه كلمة المسلمين، وإن غفل عن معناه الجمهور (ولو عرفوه لأذعنوا له).
وأما اليهود - خذلهم الله - فقالوا باستحالة تعلق المشيئة بغير ما جرى عليه القلم، ولأجل ذلك قالوا: يد الله مغلولة عن القبض والبسط، والأخذ والإعطاء، وبعبارة أخرى: فإنهم يذهبون إلى أن للإنسان مصيرا واحدا لا يمكن تغييره ولا تبديله، وأنه ينال ما قدر له من الخير والشر.
ولو صح ذلك لبطل الدعاء والتضرع، ولبطل القول بأن للأعمال الصالحة وغير الصالحة مما عددناها تأثيرا في تغيير مصير الإنسان.
على ضوء هذا البيان نتمكن من فهم ما جاء في فضيلة البداء وأهميته في الروايات مثل ما روى زرارة عن أحدهما (الباقر أو الصادق (عليهما السلام)): " ما عبد الله عز وجل بشئ مثل البداء " (1).
وما روي عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام): " ما عظم الله عز وجل بمثل البداء " (2).
إذ لولا الإقرار بالبداء بهذا المعنى ما عرف الله حق المعرفة، بل ويبدو سبحانه في نظر العبد (بناء على عقيدة بطلان البداء) أنه مكتوف الأيدي، لا يقدر على تغيير ما قدره، ولا محو ما أثبته.
ومن الروايات في هذه المعنى ما روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال:
" لو يعلم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا من الكلام فيه " (3).