أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٣٩٥
عن منصب تحمل الوحي، وأما الثاني فهو عبارة عن منصب إبلاغه إلى الناس.
والإمامة المعطاة للخليل في أخريات عمره غير هذه وتلك، لأنه كان نبيا ورسولا وقائما بوظائفهما طيلة سنين حتى خوطب بهذه الآية، فالمراد من الإمامة في المقام هو منصب القيادة، وتنفيذ الشريعة في المجتمع بقوة وقدرة، ويعرب عن كون المراد من الإمامة في المقام هو المعنى الثالث قوله سبحانه: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما} (1).
فالإمامة التي أنعم بها الله سبحانه على الخليل وبعض ذريته هي الملك العظيم الوارد في هذه الآية. وعلينا الفحص عن المراد بالملك العظيم، إذ عند ذلك يتضح أن مقام الإمامة يلي النبوة والرسالة، وإنما هو قيادة حكيمة، وحكومة إلهية، يبلغ المجتمع بها إلى السعادة، والله سبحانه يوضح حقيقة هذا الملك في الآيات التالية:
1 - يقول سبحانه - حاكيا قول يوسف (عليه السلام) -: {رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث} (2) ومن المعلوم أن الملك الذي من به سبحانه على عبده يوسف ليس هو النبوة، بل الحاكمية، حيث صار أمينا مكينا في الأرض، لقوله:
" وعلمتني من تأويل الأحاديث " إشارة إلى نبوته، والملك إشارة إلى سلطته وقدرته.
2 - ويقول سبحانه في داود (عليه السلام): {وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء} (3) ويقول سبحانه: {وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب} (4).
3 - ويحكي الله تعالى عن سليمان (عليه السلام) أنه قال: {وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب} (5).

(٣٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 390 391 392 393 394 395 396 397 398 399 400 ... » »»