أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٣٩٧
لما خلع سبحانه ثوب الإمامة على خليله، ونصبه إماما للناس، ودعا إبراهيم أن يجعل من ذريته إماما، أجيب بأن الإمامة منصب إلهي لا يناله الظالمون، لأن الإمام هو المطاع بين الناس، المتصرف في الأموال والنفوس، فيجب أن يكون على الصراط السوي والظالم المتجاوز عن الحد لا يصلح لهذا المنصب.
كما أن الظالم الناكث لعهد الله، والناقض لقوانينه وحدوده، على شفا جرف هار، لا يؤتمن عليه ولا تلقى إليه مقاليد الخلافة، لأنه على مقربة من الخيانة والتعدي، وعلى استعداد لأن يقع أداة للجائرين، فكيف يصح في منطق العقل أن يكون إماما مطاعا، نافذ القول، مشروع التصرف، وعلى ذلك، فكل من ارتكب ظلما، وتجاوز حدا في يوم من أيام عمره، أو عبد صنما، أو لاذ إلى وثن - وبالجملة ارتكب ما هو حرام فضلا عما هو شرك وكفر - ينادى من فوق العرش في حقه: {لا ينال عهدي الظالمين} من غير فرق بين صلاح حالهم بعد تلك الفترة، أو البقاء على ما كانوا عليه.
نعم اعترض " الجصاص " على هذا الاستدلال وقال: " إن الآية إنما تشمل من كان مقيما على الظلم وأما التائب منه فلا يتعلق به الحكم، لأن الحكم إذا كان معلقا على صفة، وزالت تلك الصفة، زال الحكم. ألا ترى أن قوله: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا} (1) إنما ينهى عن الركون إليهم ما أقاموا على الظلم، فقوله تعالى: {لا ينال عهدي الظالمين} لم ينف به العهد عمن تاب عن ظلمه، لأنه في هذه الحالة لا يسمى ظالما، كما لا يسمى من تاب من الكفر كافرا " (2).
إلا أنه يلاحظ عليه: أن قوله: " الحكم يدور مدار وجود الموضوع " ليس

(١) هود: ١١٣.
(٢) تفسير آيات الأحكام ١: ٧٢.
(٣٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 392 393 394 395 396 397 398 399 400 401 402 ... » »»