أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٣٩٣
الجزم وجب أن يكون معصوما عن الخطأ، فثبت قطعا أن أولي الأمر المذكور في هذه الآية لا بد وأن يكون معصوما (1).
بيد أن الرازي، وبعد أن قادته استدلالاته المنطقية إلى هذه الفكرة الثابتة المؤكدة لوجوب العصمة بدأ يتهرب من تبعة هذا الأمر، ولم يستثمر نتائج أفكاره، لا لسبب إلا لأنها لا توافق مذهبه في تحديد الإمامة، فأخذ يؤول الآية ويحملها على غير ما ابتدأه وعمد إلى إثباته، حيث استدرك قائلا بأنا عاجزون عن معرفة الإمام المعصوم، عاجزون عن الوصول إليه، عاجزون عن استفادة الدين والعلم منه، فإذا كان الأمر كذلك، فالمراد ليس بعضا من أبعاض الأمة، بل المراد هو أهل الحل والعقد من الأمة.
إلا أن ادعاءه هذا لا يصمد أمام الحقيقة القوية التي لا خفاء عليها، وفي دفعه ذلك الأمر مغالطة لا يمكن أن يرتضيها هو نفسه، فإنه إذا دلت الآية على عصمة أولي الأمر فيجب علينا التعرف عليهم، وادعاء العجز هروب من الحقيقة، فهل العجز يختص بزمانه أو كان يشمل زمان نزول الآية؟ لا أظن أن يقول الرازي بالثاني. فعليه أن يتعرف على المعصوم في زمان النبي (صلى الله عليه وآله) وعصر نزول الآية، وبالتعرف عليه يعرف معصوم زمانه، حلقة بعد أخرى، ولا يعقل أن يأمر الوحي الإلهي بإطاعة المعصوم ثم لا يقوم بتعريفه حين النزول، فلو آمن الرازي بدلالة الآية على عصمة أولي الأمر فإنه من المنطقي والمعقول له أن يؤمن بقيام الوحي الإلهي بتعريفهم بواسطة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، إذ لا معنى أن يأمر الله سبحانه بإطاعة المعصوم، ولا يقوم بتعريفه.
ثم إن تفسير {أولي الأمر} بأهل الحل والعقد، تفسير للغامض - حسب نظر

(1) مفاتيح الغيب 10: 144.
(٣٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 388 389 390 391 392 393 394 395 396 397 398 ... » »»