الإمام الثاني عشر عليه السلام - السيد محمد سعيد الموسوي - ج ١ - الصفحة ٦٧
الأولى: ما ذكره من أن جده عليهما السلام هو الإمام الحسين ابن أمير المؤمنين عليه السلام، لأنه يرجح القول بأنه من ولد الإمام الحسن الزكي عليه السلام.
والثانية: ما ذكره من أنه (ع) خلف الإمام الحسن العسكري (ع) لأنه مناف لما مر في بعض الروايات.
وأما الجهات الأخرى: فهي جزئية، كمدة إقامته إماما، ومدة مكثه وحياته، وحكم الجزية في عهده إلى غير ذلك.
أقول: يقصد (الصبان) بقوله (لما مر في بعض الروايات من كون اسم أبيه يواطئ اسم أبي رسول الله (ص) يقصد قوله سابقا: (وفي رواية لأبي داود والترمذي، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما) ولكن هذا الحديث لا يمكن الاستناد إليه أبدا لوجوه:
الأول: أنه يعارضه الأخبار الكثيرة المتواترة، وكلمات علماء أهل السنة الثقات الثاني: أنه رواه أبو داود أيضا مرة أخرى، وهذه الجملة (واسم أبيه اسم أبي) غير موجودة فيها، فقد قال الحافظ محمد پارسا:
(وقوله (ص) اسمه اسم أبي - في إحدى روايتي أبي داود ينفي صريحا ما ذهب إليه الإمامية...) وهكذا رواه الترمذي، وهي غير موجودة كذلك، فقد قال الحافظ الكنجي ما نصه: (قلت: وقد ذكر الترمذي الحديث، ولم يذكر قوله: واسم أبيه اسم أبي) أنظر (البيان) الباب الأول.
الثالث: إن العلماء تتبعوا هذا الحديث الذي جاءت الجملة فيه، فوجدوا أنها من روايات (زائدة مولى عثمان) وهو معروف بالزيادة في الأحاديث.
وليس مجئ الحديث في (صحيح أبي داود) أو (صحيح الترمذي) مصححا للحديث، لتصريح جماعة كبيرة بوجود أحاديث ضعيفة وموضوعة ومنقطعة الأسانيد في (صحيحي الشيخين) فضلا عن غيرهما.
وقد نص على كون الجملة من زيادات الرجل في الأحاديث جماعة، منهم كالحافظ الكنجي. حيث قال ما نصه:
(وأخبرنا الحافظ إبراهيم بن محمد بن الأزهر الصريفيني بدمشق، والحافظ محمد بن عبد الواحد المقدسي بجامع جبل قاسيون، قالا: أخبرنا أبو الفتح نصر الله ابن عبد الجامع بن عبد الرحمن الفامي بهراة، أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمود الطائي حدثنا عيسى بن شعيب بن إسحاق السجزي، أخبرنا الحافظ أبو الحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم الآبري في كتاب (مناقب الشافعي) ذكر هذا الحديث وقال فيه: وزاد (زائدة) في روايته: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلا مني، أو من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما) راجع (البيان) الباب الأول.
وقال أيضا: (وفي معظم روايات الحافظ والثقات من نقلة الأخبار (اسمه اسم أبي) فقط، والذي رواه (واسم أبيه اسم أبي) فهو زائدة، وهو يزيد في الحديث).
ومنهم: وكالحافظ محمد پارسا حيث قال:
(والجمهور من أهل السنة نقلوا أن زائدة كان يزيد في الأحاديث، ذكر الإمام الحافظ أبو الحافظ البستي رحمه الله في كتاب (المجروحين من المحدثين) زائدة مولى عثمان رضي الله عنه، روى عنه أبو الزياد، منكر الأحاديث جدا، وهو مدني لا يحتج به لو وافق الثقات، فكيف إذا انفرد؟ وزائدة ابن أبي الرقاد الباهلي من أهل البصرة، يروي المناكير عن المشاهير، لا يحتج بخبره، ولا يكتب إلا للاعتبار...
قلت: وراجع (لسان الميزان لابن حجر ج ٢ ص ٤٧٠) تجد كلمات علمائهم في (زائدة).
وقال الشيخ الإربلي رحمه الله: (وأما أصحابنا الشيعة فلا يصححون هذا الحديث لما ثبت عندهم من اسمه واسم أبيه (ع) وأما الجمهور فقد نقلوا أن (زائدة) كان يزيد في الأحاديث، فوجب المصير إلى أنه من زياداته).
وعليه فلا اعتبار لهذا الحديث، ولا قيمة له أصلا، فهو موضوع وعلى فرض صحته، فقد ذكر العلماء - كابن طلحة والكنجي ومحمد پارسا - فيه وجوها للجمع بينه وبين تلك الأحاديث المتكاثرة المفيدة للقطع واليقين، وكأنهم يرومون بذلك صون (صحاحهم) من الطعن... ولكن لا حاجة إلى إيرادها هنا بعد ثبوت سقوط الحديث عن درجة الاعتبار.
فالعجب من الأستاذ الصبان كيف زعم المنافاة بين القول بأن الإمام المهدي ابن الإمام الحسن العسكري عليهما السلام، وبين الحديث المذكور؟!
فهذا الجواب عما ادعى الصبان في الجهة الثانية.
ومنه يظهر الجواب عن دعواه في الأولى، لأنه لما ثبت كون الإمام المهدي (ع) خلف الإمام الحسن العسكري (ع) ثبت أنه (ع) من ولد الإمام الحسين السبط (ع) وذلك ظاهر ثم إنه يقصد من قوله (لما مر من ترجيح رواية كون جده الحسن) يقصد قوله سابقا:
(وروى أبو داود في سننه: أنه من ولد الحسن، وكان سر تركه الخلافة لله عز وجل شفقة على الأمة، فجعل الله القائم بالخلافة الحق عند شدة الحاجة إليه من ولده ليملأ الأرض عدلا، ورواية كونه من ولد الحسين واهية).
قلت: هذا نص كلامه في (إسعاف الراغبين المطبوع بهامش نور الأبصار ص ١٣٧) وهو عين عبارة ابن حجر في (الصواعق المحرقة ص ٩٩) حيث قال ما نصه:
(وروى أبو داود في سننه أنه من ولد الحسن، وكان سره ترك الحسن الخلافة لله عز وجل شفقة على الأمة، فجعل الله القائم بالخلافة عند شدة الحاجة إليها من ولده ليملأ الأرض عدلا، ورواية كون من ولد الحسين واهية جدا).
وفي (نور الأبصار للشبلنجي ص ١٦٩) ما نصه:
(واعلم أنهم اختلفوا فيه، هل هو من ولد الحسن السبط رضي الله عنهما، وهو ما رواه أبو داود في (سننه)، وذهب إليه المناوي في (كبيره): وكان سر تركه الخلافة لله عز وجل شفقة على الأمة) أقول: أما حديث أبي داود الذي أشاروا إليه - وإلى ظاهره وذهب المناوي كما ذكر الشبلنجي - وابن حجر - والصبان فهو ما جاء في (السنن ج ٢ ص ٤٢٣) وهذا نصه:
وقال أبو داود: وحدثت عن هارون بن المغيرة، قال: ثنا عمرو بن أبي قبيس عن شعيب بن خالد عن أبي إسحاق قال: قال علي رضي الله عنه - ونظر إلى ابنه الحسن - فقال: (إن ابني هذا سيد كما سماه النبي (ص)، وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم (ص) ويشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق، ثم ذكر قصة يملأ الأرض عدلا).
هذا نص الحديث. وأما بقية الكلام فهي (وكان سره ترك الحسن - أو وكان سره تركه - الخلافة... واهية - أو واهية جدا - فلم أتحقق قائله ومعناه، ولا يهمنا ذلك الآن، وإنما يهمنا البحث عن صلب الموضوع، فأقول:
إن الأخبار المصرحة بكون الإمام المهدي من أولاد الحسين عليهما السلام مستفيضة، وعليه إجماع معاشر الشيعة الإمامية الاثني عشرية، وإليه ذهب المشهور من علماء أهل السنة - كما تقدم ذكر بعضهم وسيأتي ذكر طائفة أخرى منهم - وهذا الخبر شاذ ينبغي الإعراض عنه، كما أعرض الجميع عن أخبار شاذة وردت في أنه من ولد العباس عم النبي (ص) إن حملت على ظاهرها.
وقال آية الله المغفور له السيد الصدر قدس سره في كتابه القيم (المهدي ص ٥٨) ما نصه:
(أقول: بحسب القواعد المعتمدة في أصول الفقه، لا يصح الاستناد إلى رواية أبي داود المذكورة لأمور:
الأول: اختلاف النقل عن أبي داود، فإن في (عقد الدرر) نقلها عن أبي داود في (سننه) وفيها: (أن عليا نظر إلى ابنه الحسين).
قلت: وكذلك الحافظ القندوزي عن صاحب (المشكاة) كما سيأتي نصه، ابن خلدون عن أبي داود كما في (المقدمة ص ٥٥٩).
الثاني: أن جماعة من الحفاظ نقلوا هذه القصة بعينها، وفيها: (أن عليا نظر إلى ابنه الحسين) كالترمذي والنسائي، والبيهقي، كما في (عقد الدرر)