إلى مصافهم فأخذ كل بعنان دابته وجلس في ظلها، فلما كان وقت العصر أمر الحسين بالتهيؤ للرحيل، ونادى بالعصر، فصلى بالقوم ثم انفتل من صلاته وأقبل بوجهه على القوم فحمد الله وأثنى عليه، وقال: " أيها الناس إنكم إن تتقوا " إلى آخر ما قال. فقال الحر: إنا والله ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر، فقال الحسين: " يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إلي "، فأخرج خرجين مملوين صحفا فنشرها بين أيديهم، فقال الحر: فإنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك، وقد أمرنا إذا نحن لقيناك ألا نفارقك حتى نقدمك على عبيد الله، فقال [له] الحسين:
" الموت أدنى إليك من ذلك "، ثم قال لأصحابه: " اركبوا "، فركبوا وانتظروا حتى ركبت النساء، فقال: " انصرفوا "، فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف، فقال الحسين للحر: " ثكلتك أمك! ما تريد "؟ قال: أما والله لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل هذه الحالة التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل أن أقوله كائنا من كان، ولكن والله ما لي إلى ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما يقدر عليه، فقال الحسين: " فما تريد "؟ قال: أريد أن أنطلق بك إلى عبيد الله، فقال: " إذن لا أتبعك "، قال الحر إذن لا أدعك، فترادا القول ثلاث مرات، ثم قال الحر: إني لم أؤمر بقتالك، وإنما أمرت ألا أفارقك حتى أقدمك الكوفة، فإن أبيت فخذ طريقا لا تدخلك الكوفة، ولا تردك إلى المدينة تكون بيني وبينك نصفا حتى أكتب إلى ابن زياد، وتكتب إلى يزيد إن شئت أو إلى ابن زياد إن شئت، فلعل الله أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلى بشئ من أمرك، قال: فتياسر عن طريق العذيب والقادسية، وبينه وبين العذيب ثمانية وثلاثون ميلا، وسار والحر يسايره، حتى إذا كان بالبيضة خطب أصحابه بما تقدم فأجابوه بما ذكر في تراجمهم، ثم ركب فسايره الحر وقال له: أذكرك الله يا أبا عبد الله في نفسك فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن، ولئن قوتلت لتهلكن فيما أرى، فقال له الحسين: " أفبالموت تخوفني؟! وهل يعدو بكم