أقول: إني أحتمل قويا كما أنه أثر الحمى في جسده اللطيف، كذلك أثر كتمان حزنه على أمه المظلومة في قلبه الشريف، فكما أنه يطفي حرارة جسده بالماء يطفي لوعه وجده بذكر اسم فاطمة سيدة النساء، وذلك مثل ما يظهر من الحزين المهموم من تنفس الصعداء، فإن تأثير مصيبتها صلوات الله عليها على قلوب أولادها الأئمة الأطهار ألم من حز الشفار وأحر من جمرة النار، فإنهم صلوات الله عليهم من باب التقية لما كانوا بانين على كتمانها غير قادرين على إظهارها، فإذا ذكرت فاطمة صلوات الله عليها يبدو منهم سلام الله عليهم مما كتموه ما يستدل به الأريب الفطن بما في قلوبهم الشريفة من الحزن والمحن.
كما روي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام إنه قال للسكوني وكان قد رزقه الله تعالى بنتا ما سميتها؟ قال قلت فاطمة قال: آه آه، ثم وضع يده على جبهته الخ (11).
وذكرت سابقا إن العباس لما قال لأمير المؤمنين عليه السلام: ما منع عمر من أن يغرم قنفذا كما غرم جميع عماله؟ فنظر علي عليه السلام إلى من حوله، ثم اغرورقت عيناه، ثم قال: شكر له ضربة ضربها فاطمة عليها السلام بالسوط فماتت وإن في عضدها أثره كأنه الدملج (12).
ومن تأمل فيما حكي عنهم من شفقتهم ورأفتهم ورقة قلوبهم الشريفة ورحمته يصدق ما ذكرت.
أنظر إلى ما رواه المشايخ عن بشار المكاري، إنه قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام بالكوفة وقد قدم له طبق رطب طبر زد وهو يأكل، فقال لي: يا بشار أدن فكل، قلت: هنأك الله وجعلني فداك قد أخذتني الغيرة من شئ رأيته في طريقي أوجع