مكيال المكارم - ميرزا محمد تقي الأصفهاني - ج ٢ - الصفحة ٢٦٢
في الصبر على الأذى الثالث والخمسون الصبر على الأذى والتكذيب وسائر المحن إعلم يا أخي أن الله تبارك وتعالى شأنه قد امتحن عباده في زمان غيبة وليه سلام الله عليه بأنواع المحن والبلايا ليميز الخبيث من الطيب، فيرفع درجات الطيبين ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم وقد قال الله عز وجل * (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب) * الخ، وهذه سنة الله في الماضين والتالين، كما قال تعالى * (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم) * الخ.
- وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) أيها الناس إن الله تعالى قد أعاذكم من أن يجور عليكم ولم يعذكم من أن يبتليكم وقد قال جل من قائل * (إن في ذلك لآيات وإن كنا لمبتلين) *.
أقول: ومن جملة تلك المحن والبلايا أنك ترى كثيرا من أهل الباطل يعيشون في سعة وثروة، وهم أصحاب شوكة وقوة، وترى كثيرا من أهل الحق يعيشون في ضيق ومسكنة ولا يعتنى بهم، ولا يقبل قولهم ويؤذيهم أهل الباطل قولا وفعلا، ويستهزئون بهم، ويكذبون ما يعتقدونه في أمر إمامهم، وغيبته وظهور دولته وفي هذا المقام يتنازع النفس والعقل، فالنفس تأمر باتباع أهل الباطل لتعيش في سعتهم وتلتذ من دنياهم الفانية. والعقل يأمر بالصبر على أذاهم، وتكذيبهم ويرغب في اتباع أهل الحق، وانتظار الدولة الحقة للفوز بالنعم الأخروية الباقية فالطيب الفطن من اختار العقبى وصبر على ذلك التكذيب والأذى.
- أنظر إلى ما قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) في صحيح طويل مروي في روضة الكافي (1) لحمران لما سأله إلى متى هؤلاء يملكون؟ أو متى الراحة منهم؟ فقال (عليه السلام): أليس تعلم أن لكل شئ مدة؟ قال بلى فقال (عليه السلام)، هل ينفعك علمك أن هذا الأمر إذا جاء كان أسرع من طرفة عين أنك لو تعلم حالهم عند الله عز وجل، وكيف هي كنت لهم أشد بغضا، ولو جهدت وجهد أهل الأرض أن يدخلوهم في أشد مما هم فيه من الإثم لم يقدروا، فلا يستفزنك الشيطان، فإن العزة لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله) وللمؤمنين، ولكن المنافقين لا يعلمون،

1 - روضة الكافي: 37.
(٢٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 ... » »»