المقدمة الثانية في بيان المراد من قصد القربة المعتبر في العبادات فنقول: المراد منها: الإتيان بالمأمور به بقصد الإطاعة لله جل شأنه، وامتثال أمره عز اسمه، سواء كان الداعي له إلى قصد الإطاعة أنه وجده أهلا لذلك، أم كان الداعي حبه لله أو الشكر له، أو التقرب إليه، أو رجاء الثواب، أو خوف العقاب درجات بعضها فوق بعض، وكل يعمل على شاكلته، والدليل على اعتبار النية على النحو المذكور في العبادات مذكور في كتب الفقه من الإجماع، والآيات كقوله تعالى * (فاعبدوا الله مخلصين له الدين) * وغيرها.
- والأحاديث منها الصحيح المروي في أصول الكافي (1) عن سيد العابدين (عليه السلام) قال:
لا عمل إلا بنية.
- ومنها ما روي في الوسائل (2) بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث قال: إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى، فمن غزى ابتغاء ما عند الله عز وجل فقد وقع أجره على الله ومن غزى يريد عرض الدنيا أو نوى عقالا لم يكن له إلا ما نوى.
- وفيه (3) عن الصادق (عليه السلام) قال الله عز وجل أنا خير شريك، من أشرك معي غيري في عمل لم أقبله، إلا ما كان لي خالصا. إلى غير ذلك من الأحاديث المدونة في كتب علمائنا رحمهم الله.
إذا عرفت ما ذكرنا، فاعلم أن الأقرب كون الانتظار المأمور به في الأخبار من القسم الثالث فحينئذ يتصور فيه أقسام:
الأول: أن يكون غرض المنتظر إطاعة أمر الله سواء كان الباعث له على الإطاعة رجاء الثواب الموعود أم لا.
الثاني: أن يكون الباعث له على الانتظار إطاعة الأمر، والفوز بالثواب الدنيوي، أو الأخروي ويكون قصد الثواب تبعا، وقصد الإطاعة مستقلا، وهذان القسمان يوجبان الفوز